السعادة بين إدراك النِّعَم والتسليم بالأقدار

بقلم: عبير العواد

“السعادة ليست فيما نملك، بل في كيف نرى ما نملك، وكيف نرضى بما لم نُرزق.”

في عالمٍ يُقاس فيه النجاح بالماديات، وتُلاحق فيه الأحلام على عَجَل، ينسى الإنسان في كثير من الأحيان أن يتوقف لحظة، لا ليتأمل ما فاته، بل ليدرك ما بين يديه. إن إدراك نِعَم الحياة هو فنّ لا يتقنه إلا من ارتقى ببصيرته فوق تفاصيل العادة، وعلِم أن السعادة الحقيقية تبدأ من امتنان صادق، لا من امتلاك المزيد.

قد نظن أن النِّعَم هي ما يُرى ويُحصى، كالأموال والمناصب، لكنها في جوهرها أبسط وأعمق: أن تستيقظ بصحة، أن تجد من يحبك، أن يكون لديك وقتٌ تُهديه لنفسك، وأن ترى الجمال في الأشياء البسيطة. هذه اللحظات العابرة التي لا تكلّف شيئًا، قد تكون مصدرًا دائمًا للسكينة إذا ما وُوجهت بقلبٍ ممتن.

وفي الجانب الآخر من معادلة السعادة، تقف الأقدار. تلك التي لا نملك لها دفعًا، لكن نملك أن نحسن الظن بها. فما من إنسان إلا ومرّ بموقفٍ ظنه شقاءً، ثم كشف له الزمن أنه كان سبيلًا للنجاة. القَدَر قد يُبعد عنك ما تحب، لا ليُحزنك، بل ليُعدّك لما هو أجمل. والتسليم له ليس ضعفًا، بل قوّة نابعة من الثقة بحكمة خالقة.

السعادة لا تكمن في أن تكون حياتنا مثالية، بل في قدرتنا على التكيف مع ما كتبه الله لنا، والرضا بما لم يتحقق، تمامًا كما نُسرّ بما تحقق. فالمؤمن الواعي يُدرك أن كل منحة في ثوب محنة، وكل تأخير يحمل لطفًا خفيًا.

في النهاية، لا نحتاج كثيرًا لنكون سعداء. نحتاج فقط أن نُبصر ما نملك، ونطمئن لما قدّر الله، ونؤمن بأن الخير في ما اختاره لنا، لا في ما تمنّيناه لأنفسنا. فليكن الامتنان أسلوب حياة، والرضا رفيق درب، لتكون السعادة قرارًا لا مصادفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى