مصر ليست فرعون ولكن يوسف وموسى وهارون .. الجزء الثاني

بقلم ناصر السلاموني
دخلها بعد ادريس عليه السلام أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وتزوج منها أم العرب، فولدت له إسماعيل فعمر بهما مكة وأقام قواعد البيت وأذن في الناس بالحج. أما يوسف فحكم مصر وعلّم أهلها التوحيد، وعاش فيها يعقوب وأبناؤه. وُلد موسى، وخرج منها نبيًا، وواجه فيها فرعون. وكذلك هارون، وإدريس، ولقمان الحكيم… ارتبطت أسماؤهم بمصر؛ بالمقام أو النسب أو الحكمة.
بل إن الله تجلى لموسى عليه السلام في سيناء قال تعالى: “فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ…” [القصص:30]، “وَطُورِ سِينِينَ” [التين:2]، حيث لم يتجلّ سبحانه في مكان سواها.
لم تذكر أرض في القرآن كما ذُكرت مصر، بل جاءت باسمها الصريح في أكثر من موضع، من ذلك قوله تعالى: “ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” [يوسف:99]. وباركها الله في التين والزيتون وطور سينين، وقصّ علينا كيف تجلى في وادي طوى، حيث قال: “إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى” [طه:12].
ووردت إشارات لأماكن مقدسة فيها مثل طور سيناء [المؤمنون:20] و*”وَطُورِ سِينِينَ”* [التين:2]، حيث كان اللقاء الإلهي مع موسى عليه السلام في مصر دون غيرها من بقاع الأرض.
بل جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأهل مصر، وقال: “إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمةً ورحمًا” [رواه مسلم]. أليست هذه شهادة خالدة بأن أهل مصر هم أحفاد الموحدين، وأبناء الرحم النبوي، وورثة التاريخ المقدّس؟
ولكن هناك مؤامرات من أعداء مصر لجعلها كافرة فرعونية تطارد المؤمنين متمثلين في بنى إسرائيل ولكن لم يكن فرعون وقومه مصريين وقد اغرقهم الله أجمعين
ولم يذكر القرآن الكريم قصة حاكم كذكر فرعون حيث بلغ فرعون من الكفر والطغيان مبلغًا عظيمًا، حتى نازع الله ربوبية السماوات والأرض، وقال لقومه في جرأة وتكبر:
“فقال أنا ربكم الأعلى” (النازعات: 24)،
وقال كذلك:
“وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري” (القصص: 38).
ولم يقف عند حدود ادعاء الربوبية، بل جعل رأيه فوق كل رأي، وزعم أنه على الرشد والهدى، فقال لقومه:
“قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد” (غافر: 29)،
لكن الله عز وجل أبطل دعواه ورد عليه بقوله:
“وما أمر فرعون برشيد” (هود: 97).
لقد كان فرعون مستبدًا بعقله ورأيه، متسلطًا على قومه، فاستهان بهم وسلب عقولهم، فاستجابوا له في ذلّ وخنوع:
“فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين” (الزخرف: 54).
ثم كان عداؤه لموسى عليه السلام عنيفًا، فما إن دعاه إلى الإيمان بالله حتى هدده بالسجن:
“قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين” (الشعراء: 29).
وتمادى في غطرسته فطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحًا ضخمًا، ليصعد إلى السماء مدعيًا أنه يريد أن يرى إله موسى:
“وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً” (غافر: 36-37).
وهكذا تحدى فرعون رب العالمين استهزاءً وتكبرًا.
وزاد طغيانه حين سلط بطشه على بني إسرائيل، يعذبهم ليلًا ونهارًا، يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، فقال الله تعالى:
“إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين” (القصص: 4).
وبعدما أذن الله لبني إسرائيل بالخروج، طاردهم فرعون بجيشه متكبرًا مغرورًا، حتى إذا بلغ البحر ونجا موسى ومن معه، أغرق الله فرعون وجنوده:
“فأتبعوهم مشرقين، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معي ربي سيهدين، فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وأزلفنا ثم الآخرين، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين، ثم أغرقنا الآخرين” (الشعراء: 60-66).
وهناك، لحظة الغرق، أدرك فرعون الحقيقة التي طالما أنكرها، فقال:
“حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين” (يونس: 90).
لكن الإيمان عند الموت لا يُقبل، فجاءه الرد الإلهي:
“آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين” (يونس: 91).
ثم كانت نهاية جسده أن حفظه الله ليكون عبرة، فقال:
“فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون” (يونس: 92).
وإلى اللقاء في الجزء الثالث من المقال