أعداء الأمس… هم أعداء اليوم

بقلم: ناصر السلاموني
في صفحات التاريخ العربي، لم تكن المعاناة وليدة اللحظة، بل امتدادًا طويلًا من الجراح المفتوحة والدماء المسفوكة، منذ أن وطأت أقدام المستعمرين الأوروبيين أرض العرب بحملاتهم الصليبية، وحتى يومنا هذا، حين توارثت إسرائيل راية الغدر، فحملت السلاح ذاته نيابة عنهم، لتحقق هدفهم.
جرائم الاحتلال الأوروبي ظهرت تحت لافتة “التقدم” و”الحضارة”،حيث حمل الغزاة معهم الموت والدمار أينما حلوا. وها نحن اليوم نفتح سجل الجرائم السوداء لهذا الاحتلال الغاشم، دون تحريف أو إسقاط، ليشهد العالم على ما اقترفته أيديهم من فظائع.
أولًا: فرنسا
في مصر:
مجزرة الجامع الأزهر (أكتوبر 1798):
عندما اندلعت ثورة القاهرة الأولى ضد الغزو الفرنسي، اقتحمت قوات نابليون الجامع الأزهر الشريف، المعقل الروحي للأمة، وقتلت المئات داخله، ودنست المصاحف، وسفكت الدماء بين أروقة المسجد الطاهر.
كتب المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي عن تلك المأساة قائلًا:
“دنس الكفار الجامع الأزهر وقتلوا من فيه بغير رحمة، وسفكوا الدماء حتى سالت في الطرقات.”
قصف أحياء القاهرة:
أمطرت قوات الاحتلال أحياء بولاق، باب الشعرية، الحسينية وغيرها بوابل من المدافع الثقيلة، لتمزيق قلوب المقاومة وكسر إرادة الشعب.
الإعدامات الجماعية:
أُعدم قادة الثورة، ومنهم الشيخ السادات، الشيخ الشرقاوي، وحسن الشريف، شنقًا علنيًا أو رميًا بالرصاص، في مشاهد هزت الضمائر الحية.
في الشام (حملة نابليون 1799):
مجزرة يافا:
أمر نابليون بإعدام نحو أربعة آلاف أسير مسلم، كثير منهم كان قد استسلم بشروط الأمان.
كتب الضابط الفرنسي بورين في مذكراته:
“لم أر في حياتي مشهدًا أفظع مما شاهدته في يافا.”
حتى تفشى وباء الطاعون بين الجثث المتعفنة.
حصار عكا:
فشل نابليون في اقتحام مدينة عكا البطلة بقيادة أحمد باشا الجزار، لكنه دمر القرى المحيطة، ناشرًا الخراب والموت.
في الجزائر والمغرب:
مذبحة الزعاطشة (1849):
قضت القوات الفرنسية على واحة الزعاطشة وسكانها.
مجزرة الأغواط (1852):
ذُبح أكثر من ألفي شيخ وامرأة وطفل على يد قوات الاحتلال.
سياسة الأرض المحروقة:
اتبعت فرنسا هذه السياسة ضد المقاومة الجزائرية الباسلة بقيادة الأمير عبد القادر.
في تونس:
قمع انتفاضة علي بن غذاهم (1864):
بدعم فرنسي للباي التونسي، تم سحق انتفاضة الفلاحين بعنف بالغ.
الاحتلال الرسمي (1881):
فرضت فرنسا معاهدة باردو بقوة السلاح، وقمعت المقاومة الوطنية.
في المغرب:
مذبحة الدار البيضاء (1907):
قصفت فرنسا المدينة بلا رحمة، وأسقطت قرابة خمسة آلاف مدني.
قمع مقاومة الأطلس:
شن الجنرال ليوطي حملات وحشية على سكان جبال الأطلس.
مجزرة سيدي بوعثمان (1912):
سُحق المقاومون المغاربة، وقتلت القوات الفرنسية مئات الأبرياء.
ثانيًا: إيطاليا في ليبيا
مذبحة قصر بن غشير (1913):
نفذت القوات الإيطالية مذبحة بشعة بحق المدنيين.
مذبحة قرة بوللي:
ذُبح الآلاف بوحشية انتقامًا من دعمهم للمقاومة.
معسكرات الاعتقال:
أنشأت إيطاليا معسكرات جماعية كالعقيلة والبريقة، مات فيها الآلاف جوعًا ومرضًا.
إعدام عمر المختار (1931):
أُعدم المجاهد عمر المختار شنقًا، في محاكمة صورية افتقدت لأبسط معايير العدالة.
ثالثًا: بريطانيا في مصر
قمع الثورة العرابية (1882):
احتلت بريطانيا القاهرة ونفت أحمد عرابي إلى سيلان.
حادثة دنشواي (1906):
شهدت شنق أربعة فلاحين، وضرب العشرات بالسياط، في جريمة نكراء.
قمع ثورة 1919:
سالت دماء المصريين الزكية، وسُحق الحلم بالحرية تحت جنازير الدبابات.
مجزرة الإسماعيلية (1952):
استشهد 56 من رجال الشرطة رفضوا تسليم أسلحتهم.
قصف القاهرة (1952):
قُصفت أحياء القاهرة لترويع السكان وتحطيم إرادتهم.
رابعًا: بريطانيا في فلسطين والعراق
في فلسطين:
قمع الثورة الكبرى (1936-1939):
سقط أكثر من خمسة آلاف شهيد، ودمرت مئات القرى.
مجزرة البراق (1929):
ردًا على احتجاجات الفلسطينيين، فتحت القوات البريطانية النار على المتظاهرين.
في العراق:
قمع ثورة العشرين (1920):
قصفت القوات البريطانية القرى بالطائرات، في أول استخدام جوي وحشي ضد المدنيين.
مذبحة الفرات الأوسط:
دُمرت مناطق واسعة، ومُورست سياسة النفي والاعتقال بحق قادة المقاومة.
إن جميع هذه الجرائم تُعد وفق معايير اليوم “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، رغم وقوعها قبل إبرام المواثيق الدولية كاتفاقيات جنيف.
لقد سُطرت هذه الجرائم بمداد من دماء الأبرياء، ولن تمحوها دعايات المحتل مهما طال الزمن.
خرج الاستعمار بعد أن نهب الذهب والنفط والقمح والرجال، لكنه خلف وراءه أنظمة هشة، وحدودًا ملغمة بالعداوات، واقتصادًا تابعًا، وتعليمًا ملوّثًا بلغة الغزاة، وجيوشًا مدربة على عقيدة الطاعة للغرب.
وفي ذات الوقت، كانت هذه الدول الاستعمارية ذاتها أول من اعترف بقيام إسرائيل فور إعلانها عام 1948؛ فقد سارعت الولايات المتحدة للاعتراف بالدولة الجديدة بعد إحدى عشرة دقيقة فقط، تبعتها فرنسا، بريطانيا، والاتحاد السوفيتي وغيرهم، فتحوا بوابات الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، بينما كانوا يتغاضون عن مجازر دير ياسين، وصبرا وشاتيلا، وجنين، وغزة.ولا ننسى العدوان الثلاثي على مصر ولا وقوف أمريكيا بكل ما تملك مع إسرائيل في حرب أكتوبر ولا احتلالها للعراق ولا تدميرها لسوريا واليمن .
ازدواجية المعايير باتت السمة الأبرز للسياسة الدولية؛ تتحرك المنظمات الحقوقية إن مست رصاصةٌ غربية جسد أحدهم، لكنها تصمت صمت القبور أمام آلاف الشهداء العرب، وكأن الدم العربي بلا ثمن ولا كرامة.
ومن هنا، لم تعد الثقة بالمؤسسات الدولية ممكنة؛ إذ أصبح العدل مرهونًا بالمصالح، والمظلوم مجبرًا على انتزاع حقه بيده بعدما أُغلقت أمامه كل السبل.
إن أعداء الأمس لم يغادروا بلادنا، بل غيروا وجوههم فقط، وتبدلت أدواتهم؛ من جيوش تحتل، إلى شركات تبتلع، ومن سلاح ظاهر، إلى اختراق ناعم عبر الإعلام والمنظمات، ومن جنرالات إلى سفراء وصناديق استثمار، لكن الهدف ظل واحدًا:
إبقاء الأمة ضعيفة، تابعة، مشلولة الإرادة.
وما لم تنهض الأمة بوعيها الكامل، وتستعيد زمام المبادرة، وتؤمن بحقها وقضيتها، فإن أعداء الأمس سيظلون أعداء اليوم… وأعداء الغد أيضًا.
ولن يتحقق هذا الحلم إلا بالوعي، والوحدة، والعمل الجاد لاسترداد كرامتنا ومكانتنا بين الأمم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى