المزاحم والملاحم رؤية مقالية للكاتب : محمد منسي

المجتمع الآمن والواقع المحيط والسفينة والرسالة….

تواجه العديد من دول الأمتين العربية والاسلامية حربًا من شواذ الفكر والاعتقاد والسلوك من محترفي الهمجية و العدوان والتطرف ذوي الانتشار العالمي ممن يريدون الدمار لأي عمار، وهذا العدو ليس نظامًا سياسيًا واحدًا أو شخصًا أو دينًا أو أيديولوجية حقيقية، العدو هو ذلك المرض النفسي و التوحش الهمجي والتطرف الفكري والغزو الثقافي عبر التكنولوجيا الرقمية المفتوحة والمكر السياسي والتآمر الاقتصادي والأمني والإعلامي والتكنولوجي الذي يدمر أي هوية تاريخية ويحرق العمار ويشيع الدمار ويقضي على الحضارة مع سبق الإصرار والترصد ويستخدم العنف بدوافع مدعومة سياسيًا من أطراف متعددة الأوجه والأقنعة والمرجعيات ضد الأبرياء في العديد من المناطق، وهذا الأمر لا يمكن معه أن تستمر الحياة بصورة مستقرة ولا يمكن للنمو الاقتصادي والتنمية المجتمعية أن تحدث ولا يمكن لأي فكر أو علم أن ينمو ويزدهر ، لذلك كان ولا يزال من الضروري؛ بل و قد يكون من المحتم أن يعمل الجميع داخليًا وخارجيًا على أن لا تتوقف كافة أنواع ومستويات وصور الجهود اللازمة لإحداث زيادة مطردة في معدلات النمو الفكري و الاقتصادي والثقافي والعلمي ، باتجاه أن ينعم المجتمع بمستويات مرتفعة من التنمية الاقتصادية وهذه الأخيرة من الصعب أن تتحقق في ظل أى من المزاحم التي تشكل في مجملها مزيج من القصور و التقصير في جهود ترقية الفكر والعلم والثقافة والموارد أو أي تكاسل و تباطؤ في الجهد والالتزام بالمشاركة في الإنتاج والبناء والأداء الجماعي المتناغم بعيدًا عن الخلاف والاختلاف حتى تتم الرسالة الانسانية التي تهدف علي الأقل الي تحقق مستوي آمن من الاستقرار والنماء العام المتميز بعوائد عامة وجماعية وفردية على كل من يسكن الأرض.

اولا: المجتمع الآمن…
أعتقد أننا من المهم أن ندرك جميعًا أن مفهوم المجتمع الآمن المتحضر الغني يتركز حول دعم التحول إلى أمة متقدمة تعتمد على دولة قانون وشعب مؤهل فكريا وحضاريا، ومرجعية علمية متطورة، وثقافة وطنية نقية، ومناخ وطني طاهر ومستقر ومتوازن ومتآلف وأداء شخصي ومؤسسي بمستوي عالمي، وأن الدفاع عن إقليمنا وأمتنا ضد أعدائها هو الالتزام الأول والأساسي على كل إنسان سوي حر، و ذلك لأن أعداء اليوم لديهم العديد من القدرات الكبيرة والمتنوعة والمدعمة تكنولوجيًا وماليًا ومعلوماتيًا، لذا فمن الطبيعي ان يتكرر علي مسامعنا وعلي خواطرنا وعلي عقولنا ونفوسنا انه من الواجب على كل من يسكن الأرض من مواطني هذه الأمة العظيمة بتاريخها أن يكون له دور خاص ودور عام، فأما دوره الخاص فهو الحفاظ على استقامة واستقرار وارتقاء شأنه الإنساني الفردي والأسري، ومحيطه من الأصدقاء والزملاء والجيران والمعارف، وأما دوره العام فهو الالتزام بالمشاركة في العطاء والبناء والحفاظ على الاستقرار العام تحت مظلة قانون يجب أن يحترمه الجميع .
علي الجانب الاخر ستظل الحقيقة قائمة بأنه من الطبيعي لأي أمة تواجه أي خطر يحدق بها وبشعبها وأرضها وبقائها أن تتجه إلى استنفار كل طاقاتها باكتشاف و تبني و استخدام وترقية و تأمين كل ما لديها من موارد بشرية ابداعية ذات عقول و أفكار وخبرات وقدرات علمية و عملية وابداعية متميزة كي تدرأ هذا الخطر، وتحمي أراضيها وأرواح مواطنيها وتصون كرامتها وتحفظ تاريخها، لأن المنطق العام يفيد بأنه قد لا يتواجد علي هذا الكوكب أي انسان إلا وأمنه وطعامه وشرابه وكسوته وصحته وسكنه هي جميعا أهم مقومات استمرار قدرته علي القيام بواجباته العامة؛ وذلك بالطبع كي يستمر هذا الانسان اولا في الحياة، فتستمر لديه القدرة الاختيارية على العطاء والمساهمة في الإنتاج والبناء لكل ما يلزم لتطوير حياته وتنمية موارده وزيادة ثروته الفكرية والمادية كجزء لا يتجزأ من نماء البشرية ككل.

ثانيا : الواقع المحيط…
ان الواقع يؤكد بكل ما لديه من أدلة وأحراز وأحداث أن إقليم الشرق الأوسط العظيم المتأجج هو بحق نجم تلتهب نيران عواصفه بصورة متزايدة في سلسلة الحلقات الدرامية العالمية وذلك بكونه محورًا مشتركًا في معظم حركيات ومستجدات الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية والشعوبية، لذا فانني أعتقد أيها السادة أننا في هذا الإقليم نحتاج وبشدة إلى نقلة نوعية وانتفاضة نفسية وصرخة ثقافية مدوية وقفزة علمية وثقافية واعلامية وتعليمية غير عادية، وهذه المجموعات الأربعة لا يمكن أن تحدث إلا بأن نعقد النية أولا، ونستلهم القدر الكافي من العزيمة، ونطلق مارد الإرادة ونتخذ قرار التغيير، نعم التغيير في كل شيء، مبتدئين أولا بأنفسنا فردًا فردًا ، وفي أنماط تفكيرنا ( الرؤية ) التي باتت تتصارع مع بعضها البعض بمنتهي التخبط والعشوائية، و أيضا في ( الاستراتيجية ) الطريقة التي يمكن أن نحقق بها نقلة نوعية جديدة على مجريات حياتنا، فأفكارنا وتوجهاتنا ومستهدفاتنا و أخلاقنا وعلومنا واعلامنا و تعليمنا وجهودنا كلها تشكل المزيج ( الرسالة ) الذي يمكن أن نرسم به صورة جديدة لأيامنا الحالية ولسنوات عمرنا المقبلة لأننا شئنا أم أبينا، سنواجه متغيرات عديدة تأتي لنا بها الأيام والليالي؛ سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، فالأرض لا تتوقف عن الدوران، والعالم لا يتوقف عن التقدم، والحياة لا تتوقف عن التغيير، وليس من الحكمة أن نظل متفرجين مرتخين كسالى وقابعين في آبار العوز والحوجة وآثار الجهل والأنوية المتعالية و الأحلام المتعنتة، وجواذب الفقر الناتج عن الأنانية ومستلهمات المرض النفسي والفكري والاجتماعي، كما أننا لن نظل طوال عمرنا في مواجهات مع فئات ضالة وفاسدة ومتخلفة وعنيفة من معيقي التقدم البشري او من مضيعي الجهود المخلصة، والجماعات او القبائل او المجتمعات الشيطانية القائمة علي اسطح أنهار الدم والخراب و من قبلها الأموال التائهة بين أيادي المتسافهين والمفرطين و المسرفين والمبذرين أينما تواجدوا؛ لأن هذا هو ما يسبب نزفًا مستمرًا لمقومات حياتنا واستنزافًا لمواردنا.

ثالثا : السفينة….
إن كل هذه العجائب و المتناقضات والملاحم تفرض علينا سؤالا غاية في الأهمية ألا وهو: هل نحن بالفعل أصبحنا غير قادرين على رؤية الحقائق وما وراء الاحداث؟ وهل بدأ نور بصيرتنا في الانخفاض كنتيجة لانخفاض مستوى قيمنا وأخلاقنا، فتدنت قدرتنا على التمييز بين الإنجاز وبين العنف والابتزاز?,
لا أحد ينكر أن هذه المرحلة ليست بالهينة وليست نمطية وليست متكررة، لذا فانني لازلت وسأظل والله اعلم اعتقد اننا وهذا علي الاقل ، نحتاج الي ان نهدأ قليلا ونتوقف عن جلد الذات وانتقاد كل شئ وكل ما يتحقق علي اي مستوي في اتجاه استمرار سفينتنا في الابحار في جبال الامواج المتلاطمة بل واعتقد اننا في حاجة شديدة الي ( تحليل الموقف بضعفه وقوته وفرصه ومعيقاته ) ان نتوقف عن السخرية من الواقع وعدم الاكتراث بما يدور و ايضا بما يتم إنجازه بوضوح على الأرض، وذلك في ظل هجمات كونية وجيوسياسية ذات أبعاد وتوابع عنيفة على كل أرجاء المعمورة، وكأننا مصابون بمرض غريب يخفي علينا ما يتحقق من مقومات استمرار الاستقرار حتي الآن، ويمسح من أذهاننا ما تنقله إلينا الوسائل المختلفة من خطوات جادة تراها أبصار العالم ولا تراها عيوننا على أراضينا، ولا أدري لماذا يصر الكثير من الناس على أن يشيح بوجهه وبصره عن أحداث وإجراءات ونتائج حقيقية إيجابية تحدث على أرض الواقع في وسط تلك العجائب والمتناقصات بل والمهازل والمزالق المحيطة بنا ، فلا عاشت أمة خلت من الأمل وبصيص الضوء، وبات اهلها يصرون على تجنب رؤية المنح الإلهية ويصرون علي تناسيها ويكملون إصرارهم على ضرب أي فرصة وأمل وضوء ينير لنا الطريق في اتجاه استمرار الحياة بين عوالم محيطة من الدمار؟ وماذا سيستفيد كل من يحبطنا ويقلل من شأن كل ما نعيشه يوميًا من استمرار فضل الله العظيم علينا بالهدوء والأمان واستمرار الحياة حتي بكل صعوباتها الشديدة المتلاحقة والمتصاعدة ولاتزال شعوبا بأكملها تشهد لنا وعلينا بكون أجزاء كاملة منها باتت مقيمة بالفعل على أراضينا مما يزيد من ثقل أعبائنا بصورة مخيفة ويبطئ تقدم سفينة حياتنا ، ويبطئ من سرعتنا في حل مشاكلنا، ومع هذا فالكثير من المؤشرات الرسمية الدولية التي ترصدها عيون كل الجهات المتخصصة وبصيرة بيوت الخبرة العالمية تقر باستمرار صلاحية سفينتنا وقدرتها علي الاستمرار في الابحار في اعالي البحار وسط عواصف واعاصير الانهيار والدمار ، وتشيد بما يحدث من تناول إيجابي على الأرض يحميه الصبر العتيد لهذا الشعب العريق الذي يحمل علي عاتقه ان لا تنتهي مسيرته بفعل فاعل، وإنما هي انتهاء حقب وبدايات لحقب اخري بتسلم وتسليم المسئولية من جيل الي جيل ، و لكن تري لماذا يصر البعض على نفي ذلك كل، ويصرون فقط علي تغمية عيوننا من إبصار الحقيقة؟ وماذا سنجني لأنفسنا ولمن حولنا من جراء كثافة رفضنا للواقع وانشغالنا بتكرار نقدنا واعتراضنا الذي يشغلنا كثيرًا عن المشاركة الحقيقية في تغيير حياتنا إلى الأفضل، حتى ولو بعدم الرغي والكلام المحبط والتقليل من العزيمة على التغيير والتطوير؟

رابعا : الرسالة…..

علي الرغم من رحلة الشقاء من أجل البقاء من ايام مناحم وحتي ما قد وصل إليه العالم من المضائق و اغلاق الطرائق و الحرائق والمفاحم وما قد ينتظرنا من اشتداد الملاحم ، فإنني لازلت أعتقد في الضرورة الاستراتيجية لاستمرار الاحتفاظ بالأمل والحكمة و البصيرة وأن تنصرف ابصارنا وأفكارنا الي الإيجابيات التي تصارع من اجل البقاء وتلوح لنا بأياديها وسط الامواج المتلاطمة من المؤامرات و النفاق وكثرة القتلي وعموم الفقد و الفراق و اتساع نطاق الاستهداف ليصل الي الآفاق ، فنحن بالفعل في احتياج شديد للخروج من ظلمة وضيق الأنفاق وآلام الحرق و فوضي القتل والعراك من اليمن الي الشام الي فلسطين الي لبنان و العراق ، نحن نتوق الي ان نستبشر و يتجدد لدينا الأمل و نتآلف ونتكاتف ونتكامل ونتزامل ونتعامل بكل حكمة وشفافية و رغبة في الحياة جميعا واكرر جميعا في كل أرجاء أمتينا العربية والاسلامية حتي يمكننا المضي قدما علي طريق استعادة أطياف النور التي أضاءت لأسلافنا الطريق فبنوا وشيدوا و عمروا و رزعوا وأنبتوا وحصدوا و تعلموا وعلموا وأحيوا النفس البشرية.”وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ

الكاتب و المفكر: المستشار/ محمد منسي
مستشار التطوير الاستراتيجي للاستثمارات التنموية والاعلامية الدولية
Fb\MostasharMansy
Fb\مصرأمان ونماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى