مأمون الشناوي يكتب: من قدس الأقداس الى خيبتنا المرة !!

كان في بيتنا حجرة مخصوصة للبن ، مفتاحها مع أمي ، تخبئه في مكان آمن لاتصل إليه يد أحد !!.
الحجرة مُظلمة غامضة ، كأنها حجرة التحنيط في هرم خوفو ، تشترط أمي علي مَن يدخلها أن يكون طاهراً ، مُغتسلاً ، ُمتوضئاً ، فإذا ماكنت محظوظا ، ودخلت إليها ذات صدفة ، رأيت طواجن اللبن وزلعات السمنة وأواني القشدة ، مرصوصة كأنها مدرعات في عرض عسكري ، سيتفقده رئيس الأركان شخصياً !!.
وكان طبيعياً أن تُصنع الجبنة في البيت بكل أشكالها ، فلم نعرف شراء الجبنة ولا بيع اللبن إلا في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، وعندما أنشئت معامل خاصة لذلك ، ثم جري تخريب تلك المعامل ، فأُغلقت لصالح حيتان المصانع الجدد ، ليستقر الأمر علي ماصرنا إليه اليوم !!.
إنها خيبتنا ياسادة !!.
تخلي الأسرة المصرية عن دورها كمنتجة ، وتحولها إلي مستهلكة ، ثم إلي سفاهة الاستهلاك !!.
لقد قطعنا شوطاً طويلاً في الخيبة والفشل ، بداية من المرأة الزوجة التي تقع عليها مسؤلية ذلك كله !!.
قولوا لي – بالله عليكم – كم زوجة تصنع الجبنة في بيتها اليوم ، بل أعرف الكثيرات من زوجات هذا الزمان الأغبر لاتطبخ أصلاً ، بل تعتمد علي شراء الوجبات الجاهزة من المطاعم ، فقد بات منظراً مألوفاً وجود عدة موتسيكلات أمام البيت ، إنهم شباب ( الدليفري )، الذين يقومون بتوصيل الطلبات إلي المنازل ، هذا يحمل البيتزا ، وذاك تبع كنتاكي ، والآخر مندوب محل حلويات شهير !!.
والعجيب يا أخي ، وما يصيب مرارتك بالتورم والانفجار ، حرص فتيات هذا الزمن علي تجهيز أحدث أشكال المطابخ ، وهي لاتطبخ ، وأحدث ماركات الأواني والأوعية ، جرانيت وسيراميك وخلافه ، وهي لاتستخدمها ، وقد دفع أبوها دم قلبه ثمناً لها !!.
سيقول قائل ، بأن المرأة اليوم عاملة ، ويادوب تراعي أطفالها ، وتواظب علي عملها ، وكأن أمهاتنا ، والجيل الذي تلاها ، عاطلات ، واللهِ ، مارأيت أمي نائمة قط ، إلا وهي مريضة ، وكان يومها سيناريو من الشقاء والكفاح والجهاد لا ينتهي ، وكانت آخر مَن ينام في البيت ، وأول مَن يستيقظ !!.
وكان البيت عبارة عن عدة مصانع للجبنة والسمنة ، وعدة مزارع لتربية الطيور بكل أنواعها وحالاتها ، علاوة علي الفرن – الذي يوقد كل صباح – فتقوم من نومك علي رائحة الخبز الطازج ، والفطير الشهيّ !!.
لا تنشغلوا بمحلات أُغلقت أو فُتحت ، للبن أو غيره ، إنشغلوا بخيبتنا ، وعودوا إلي جذوركم ، وولوا وجوهكم شطر مصريتكم ، تفلحوا ، وإلا ، سوف ننتقل من فشل إلي فشل ، ومن خيبة إلي خيبة !!.
علي فكرة ، المرأة اليابانية العصرية مثل أمي تماماً ؛ حتي ريش الدجاج تصنع منه مروحة للتهوية !!.
نحن نحصد نتائج خيبتنا !!.