دينا كرم الدين تكتب: المعارك الحقيقية بتدار بالعقل مش بالحبال الصوتية

في زمن ارتفعت فيه الأصوات وسقطت فيه المعاني.صار الصراخ بديلاً للفكر..وتحولت الشتائم إلى غلاف زائف يدعى به الموقف السياسي.من لم يتعلم أن يحارب بالكلمة ..لن يعرف أبدًا كيف ينتصر بالصمت ..ومن ظن أن الإساءة سلاح ..فهو لم يعرف بعد طرق النبلاء في القتال.
نحن لا نكتب لنسكت الآخرين ..بل لنعيد ترتيب الوعي وسط فوضى السياسة في زمن أصبح فيه الضجيج هو رأسمال الفكر وامتزج فيه ارتفاع الصوت بوزن الحقيقة ..وتحولت فيه الشتائم إلى رايات مؤقتة ترفع باسم السياسة.
السياسة ليست صراخا . ولا هي لحظة غضب ..فليس كل من غضب قد فهم ..وليس كل من شتم قد امتلك موقفاً..الصوت العالي لا يعني تأثيرًا ..والإهانة ليست موقفًا …بل هي انسحاب ضمني من ساحة التأثير. فالوعي السياسي لا يقاس بحدة التعبير. ولا بقوة الهجوم …بل بالقدرة على إدارة الخلاف بالعقل دون السقوط في دوائر الشتائم والخطاب المبتذل.
الصوت العالي لا يغير فكرًا أو عقيدة..لكن الكلمة المصقولة بالمعرفة تخترق العقول وتبقى. من يملك الكلمة يملك الاتجاه . ومن يحسن صياغتها يملك العقول. مواجهة الإعلام المعارض والمضلل لا تكون بالسب والقذف والخوض في الأعراض. التي نختلف معه.. بل بكشف التناقض .وتحليل الخطاب .وتقديم بديل يحترم ذكاء المتلقي. فكلما ارتفع مستوى النقد ..ارتفع معه وزن الرسالة. السياسي الحقيقي لا يقاس بحدة التعبير بل بقدرة العقل على إدارة الخلاف دون الانزلاق إلى خطاب الشارع. الإهانة ليست تعبيرًا عن موقف بل غالبًا ما تكون دليلًا على غياب المنهج وسقوط الأداة.
الخلاف لا يعني الخيانة والنقد لا يعني انعدام الانتماء. السياسة الحقيقية، كما الإعلام الحقيقي …هي القدرة على الكشف لا القدرة على الإسكات.
الإهانات قد تنفس الغضب فى لحظات لكن الحكمه تصنع مواقف لسنوات….
ولأننا في زمن باتت فيه الضوضاء تحسب على أنها حضور …صار من الضروري أن نعيد تعريف المعركة: ليست بالصوت الأعلى ..بل بالعقل الأوضح ..ليست بمن يسبق إلى الشتيمة ..بل بمن يصمد في ساحة الفكر.
السياسة مش طاولة زعيق ..لكنها امتحان دائم للوعي والنبل.. ومن أراد أن يربح الناس …فليحترم عقولهم أولًا… لأن التاريخ لا يحفظ الشتائم ..بل يحفظ الكلمة التي صنعت وعيًا… والكلمة اللي بتبني وليست من تكسر