فضيحة أمنية في البيت الأبيض


لواء دكتور/ سمير فرج
لا تزال فضيحة التسريبات المتعلقة بالضربة العسكرية الامريكية على اليمن، والمعروفة بـ”تسريبات سينجال”، تُثير الجدل داخل الولايات المتحدة وخارجها وخاصة من الدول الاوروبية. ورغم الضجة التي أُثيرت حول هذه القضية، أكد الرئيس الأمريكي ثقته الكاملة بفريق عمله، مشددًا على أن وجود الصحفي جيفري جولدبيرغ رئيس تحرير جريدة ذا اتلانتك في مجموعة المراسلة لم يؤثر على سير العملية العسكرية.
في المقابل، اعتبر بعض المسؤولين أن ما حدث يشكل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي، مما أدى إلى تصاعد الجدل حول تداعيات التسريبات وأبعادها السياسية والأمنية. وكانت الولايات المتحدة، التي تتفاخر دائمًا بقدرتها على حماية أمنها القومي، قد شهدت فضيحة تسريب محادثات خطة قصف دولة اليمن، حيث كشف جيفري جولدبيرغ، رئيس تحرير مجلة “ذا أتلانتيك”، أن فريق الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب أضاف اسمه عن طريق الخطأ إلى دردشة سرية للغاية من خلال تطبيق سيجنال وهو تطبيق مشفر يستخدم مع كبار القادة الامريكين في البيت الابيض، حول الضربات العسكرية الأمريكية في اليمن، والتي تضم كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، بمن فيهم وزير الدفاع بيت هيغست، ونائب الرئيس جي دي فانس، ومستشار الرئيس للأمن القومي مايك والتر، ومدير الاستخبارات الـCIA تولسي غابارد، مفصحًا عن معلومات بالغة الحساسية.
تضمنت التسريبات تفاصيل حساسة حول الضربات الأمريكية على اليمن، بما في ذلك التوقيت، والأهداف، والأسلحة المقرر استخدامها، بالإضافة إلى المناقشات الداخلية حول التبريرات الإعلامية للهجمات. ووفقًا لجولدبيرغ، كان نائب الرئيس الأمريكي، جي. دي. فانس، معارضًا للضربات، خلافًا لموقفه العلني، مما دفع ستيفن ميلر من البيت الأبيض إلى التدخل لطمأنة فانس بأن أمريكا ستحصل على “مكاسب اقتصادية” من أوروبا ومصر مقابل حماية حرية الملاحة.
احتوت المحادثة على معلومات شديدة السرية قد تعرّض القوات الأمريكية للخطر لو وصلت إلى أيدي الخصوم، بما في ذلك تفاصيل عملياتية دقيقة عن الضربات القادمة على اليمن، كما ورد في تحديث أرسله وزير الدفاع بيت هيجسيث. أثار الاكتشاف حيرة جولدبيرغ، الذي أرسل استفسارًا إلى البيت الأبيض متسائلًا عن سبب إضافته إلى المجموعة، وما إذا كان ذلك متعمدًا، وكيفية تعامل الإدارة مع مثل هذه المناقشات الحساسة على تطبيق غير آمن نسبيًا.
أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أن الإضافة كانت عن طريق الخطأ، بينما شدد متحدث نائب الرئيس على أن فانس “على توافق تام مع الرئيس”، في محاولة لاحتواء الفضيحة التي كشفت عن مستوى غير مسبوق من التهور في التعامل مع الأسرار الأمنية.
وكتب جولدبيرغ في “ذا أتلانتيك”: “من البديهي أنني لم أُدعَ يومًا إلى اجتماع لجنة للمسؤولين في البيت الأبيض، حيث خلال سنواتي الطويلة في تغطية شؤون الأمن القومي، لم أسمع أبدًا عن عقد مثل هذا الاجتماع”.
وبالمقابل، سارعت المعارضة الديمقراطية إلى الانقضاض على الإدارة الجمهورية بسبب هذه التسريبات الخطيرة.
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر: “إنه واحد من أكثر تسريبات الاستخبارات العسكرية إثارة للذهول”، داعيًا إلى إجراء “تحقيق كامل” في الكونغرس.
وكتب بيت بوتيدجيدج، الوزير السابق والشخصية البارزة بالحزب الديمقراطي، على منصة “إكس” أن “من منظور أمني تشغيلي، يُعدّ هذا أكبر فشل ممكن”. وأضاف: “هؤلاء الأشخاص ليسوا قادرين على حفظ أمن أمريكا”.
بدورها، كتبت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية التي خسرت الانتخابات الرئاسية أمام ترامب عام 2016، على منصة “إكس”: “قولوا لي إنها مزحة!” وكانت قد هاجمها الجمهوريون من قبل بلا هوادة بسبب استخدامها حساب بريد إلكتروني خاصًا لتوجيه رسائل رسمية عندما كانت وزيرة للخارجية.
وأرفقت كلينتون تعليقها برابط لمقال “ذا أتلانتيك”، وقد أصبح هذا التعليق من الأكثر تداولًا بهذا الشأن. في الولايات المتحدة الامريكية.
ولقد أظهرت هذه التسريبات عدة نقاط، منها أن أمريكا لم تعد صديقة لأوروبا كما كانت من قبل، وكذلك وجود انقسامات داخل الإدارة الأمريكية، خاصة بعد قرار الرئيس ترامب بتكوين فريق عمل من أشخاص من خارج المؤسسة القديمة، على عكس ما كان في فترة رئاسته الأولى للولايات المتحدة، حيث اعتمد فيها على دولاب العمل القديم في الدولة العميقة الأمريكية. ونظراً لعدم خبرة هذه العناصر الجديدة، ظهر عدم توافق الآراء، وحدوث مثل هذه الأخطاء الأمنية.
ويأتي السؤال هنا: هل سيقوم الرئيس ترامب بإعفاء بعض المسؤولين بسبب هذه الأخطاء؟ والإجابة بالطبع ستكون لا، رغم الانتقادات الكبيرة، خاصة من الحزب الديمقراطي المعارض، حيث أن أعضاء الحزب يرون أن ترامب أخفق في اختيار هذه العناصر.
وهنا يأتي السؤال بتحليل عسكري: هل ستؤدي هذه الضربات العسكرية الأمريكية إلى القضاء على الحوثيين؟
الإجابة بالطبع هي أن الضربات النيرانية، سواء الجوية أو بالصواريخ أو المدفعية، لا تحقق الهدف النهائي من المعركة، وهو القضاء على الخصم. فالتدمير الكامل والقضاء على العدو لا يتم إلا من خلال القوات البرية، المتمثلة في المشاة والمدرعات. أما القوة النيرانية، مثل الطائرات والصواريخ والمدفعية، فهي مجرد وسائل دعم للقوات البرية أثناء هجومها، بهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو وإضعاف قوته، ولكنها لا تؤدي إلى القضاء عليه تمامًا.
وهذا ما كان واضحًا خلال العام ونصف الماضيين من القصف الإسرائيلي المكثف ضد حماس وحزب الله، حيث استخدمت إسرائيل مختلف أنواع النيران الصاروخية والجوية دون أن تتمكن من القضاء عليهما، بل نجحت فقط في إضعافهما. والسؤال هنا: هل تم القضاء على حماس وحزب الله؟ الإجابة بالطبع لا.
وبالتالي، فإن السيناريو نفسه سيتكرر مع الحوثيين، حيث أن الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية لن تؤدي سوى إلى إضعافهم، لكنها لن تقضي عليهم نهائيًا. وبالطبع، لن تغامر أمريكا أبدًا بإرسال قوات برية لمهاجمة الحوثيين، بل ستلجأ إلى أسلوب الحرب بالوكالة (Proxy War) من خلال دعم القوات اليمنية بالأسلحة والمعدات والمعلومات الاستخباراتية، كما فعلت في أفغانستان عندما دعمت المجاهدين الأفغان بقيادة أسامة بن لادن ضد القوات السوفيتية، وهو الصراع الذي استمر لعشر سنوات قبل أن يحقق أهدافه.
ومن هنا، يمكن القول إن الرهان على القضاء على الحوثيين بالأسلوب الأمريكي الحالي لن يحقق الهدف المنشود في المستقبل القريب.