إياكم وثعابين الإنس

بقلم: ناصر السلاموني
كثيرٌ منا قد يثق في الأشخاص المقربين، سواء من الأقارب أو الأصدقاء، فيفرط في إفشاء همومه وأسراره ظنًا منه أنهم أهل للثقة. لكن هناك من لا يرون في تلك الأسرار أمانة يجب حفظها، بل يستغلونها لبناء حبال الخداع وزرع الفتنة، فيسعون للتفرقة بين الزوجين بأساليب ملتوية ونوايا خبيثة، لا همّ لهم إلا تحقيق مصالحهم الشخصية على حساب استقرار الآخرين.
إن حفظ السر يُعدّ من أهم وسائل الأمان من الفتن، وقد أمرنا الله تعالى بإصلاح ذات البين دون استغلال الأسرار أو التلاعب بها، فقال سبحانه: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (البقرة: 224). فكلما زاد انتشار السر، زادت فرص استغلاله من قبل ذوي النفوس الضعيفة، الذين لا يتورعون عن دس السم في العلاقات الأسرية.
يبدأ هؤلاء بثوب المصلحين، فيتوددون إلى أحد الطرفين بحجة الصلح، ثم ينتقلون إلى الطرف الآخر بحثًا عن المزيد من التفاصيل. ومن خلال هذا التسلل الخبيث، يحولون العلاقة الزوجية إلى كتاب مفتوح، يعبثون بمحتواه، ويضيفون إليه ما يخدم روايتهم، حتى تصبح العلاقة قصة درامية من تأليفهم، نهايتها انفصال مؤلم، سواء بالطلاق أو الخلع.
غالبًا ما يستغلون ضعف أحد الطرفين عاطفيًا أو ماديًا، ويدفعونه إلى قرارات متسرعة تحت ضغط العاطفة أو الإحباط، بينما هم في الخفاء يستمتعون بتنفيذ مخططهم الشيطاني الذي يهدف إلى تفكيك الأسرة. وفي ظل هذه الفتن الخفية، تُستغل وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مقلق، حيث تبدأ الهواتف في الرنين برسائل عاطفية مزيفة، تخاطب مشاعر الطرف المتألم، ليقع في فخ جديد من التعلق والانقياد، ويصبح أداة في يد من لا يرحمون.
لقد حذّرنا الله تعالى من النجوى بالإثم والعدوان، فقال: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ (المجادلة: 10)، كما أخبر النبي ﷺ أن من أخطر الناس منزلة يوم القيامة من يبوح بسر شريكه، فقال: “إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها” (رواه مسلم).
وضع الإسلام ضوابط واضحة للحفاظ على الأسرة والعلاقات الزوجية، ومن أبرزها:
عدم إدخال الغرباء وذوي النفوس المريضة في الحياة الأسرية، فالنبي ﷺ قال: “إياكم والدخول على النساء”، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: “الحمو الموت” (متفق عليه).
الحرص على الصلح الحقيقي بين الزوجين، عبر الحوار والنقاش الهادئ، أو عبر حكمين من أهليهما، كما أمر الله: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾ (النساء: 35).
عدم اللجوء إلى من يتصف بسوء الخلق، حيث قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍۢ ﴾ (القلم: 10).
النهي التام عن اللجوء إلى السحرة والكهنة والعرافين، فالنبي ﷺ قال: “من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد” (رواه أحمد).
إلى جانب ذلك، علينا أن نُعلي من وصايا النبي ﷺ في العلاقة بين الزوجين، إذ قال: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. فالمعاملة الطيبة، والمودة، والرحمة، هي الأساس الذي تُبنى عليه البيوت السعيدة.
وحتى نحمي بيوتنا من عبث “ثعابين الإنس”، علينا اتخاذ خطوات عملية، منها:
تقوية التواصل بين الزوجين، والحرص على المصارحة والوضوح.
عدم التسرع في بث الأسرار الخاصة، حتى لمن نثق بهم ظاهريًا.
استشارة أهل العلم والدين عند وقوع الخلافات، بدلًا من الاستعانة بمن يلهثون وراء مصالحهم.
تحصين العلاقة الزوجية بالذكر والدعاء، واللجوء إلى القرآن الكريم وسنة النبي ﷺ كمنهج للإصلاح والاستقرار.
في النهاية، العلاقات الأسرية تُبنى بالمودة والرحمة، لا بالحقد والمكر، ويكفينا تذكّر قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًۭا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةًۭ وَرَحْمَةً﴾ (الروم: 21). فلنحافظ على أسرنا، ونصون قلوبنا، ولا نسمح للثعابين أن تدخل بيوتنا بأسمائها الوديعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى