الفقاعة الأمريكية: هل اقتربت ساعة الانفجار بفضل سياسات ترامب؟

خاص لـ مدن
في خطوة بدت كمهدئة مؤقتة للأسواق، علّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية التي تتجاوز 10٪ على واردات معظم الدول باستثناء الصين، مما منح المستثمرين فترة راحة. لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الرئيس يركز على تحقيق مكاسب لقاعدته الانتخابية، حتى لو كان ذلك على حساب وول ستريت، بينما تتعهد إدارته بخفض العجزين المالي والتجاري. هذا السياق يثير تساؤلات حول مستقبل “اقتصاد الفقاعة” الأمريكي، وهو نموذج اقتصادي واجهته اليابان سابقًا بنتائج كارثية.
“اقتصاد الفقاعة” الأمريكي: نموذج مالي هش على حساب الاقتصاد الحقيقي:
يُعرّف “اقتصاد الفقاعة” بأنه نموذج اقتصادي يمنح القطاع المالي الأولوية على الاقتصاد الحقيقي، حيث ترتفع أسعار الأصول بشكل غير مبرر، وتُدار الشركات بهدف زيادة العوائد المالية بدلًا من تطوير الإنتاج أو حصتها السوقية. يستمر هذا التضخم بفضل نمو الديون، التي غالبًا ما تُستخدم لأغراض مالية لا للاستثمار الإنتاجي، مما يزيد أرباح الشركات بشكل مصطنع دون تقوية الاقتصاد الفعلي، كما أوضح تقرير لوكالة رويترز.
الولايات المتحدة.. نموذج للفقاعة: تضخم مالي وتقلص صناعي وديون متراكمة:
تعتبر الولايات المتحدة اليوم مثالًا لهذا النوع من الاقتصاد، حيث تضاعفت مساهمة قطاعي التمويل والعقارات في الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 1945، بينما انكمشت حصة التصنيع إلى أقل من النصف. في الوقت نفسه، تقترب الأسواق المالية الأمريكية من مستويات تقييم تاريخية، حيث بلغ صافي ثروة الأسر 5.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزًا بكثير المتوسط التاريخي، بينما تراجعت المدخرات إلى نصف متوسطها طويل الأمد. وفي العام الماضي، تجاوزت الديون الإجمالية (عامة وخاصة ومالية) 100 تريليون دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الدخل القومي، مع تركيز الشركات المتزايد على إعادة شراء الأسهم والاستحواذ بالاستدانة، مما يقلل من الاستثمار الحقيقي في الاقتصاد.
تدفقات رؤوس الأموال والعجز المزدوج.. وقود الفقاعة المستمر:
ساهمت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية في إدامة هذه الفقاعة، حيث يمتلك المستثمرون الأجانب حاليًا أصولًا مالية أمريكية بقيمة 57 تريليون دولار. وقد أدت هذه الاستثمارات إلى خفض عوائد السندات ورفع أسعار الأسهم، مما ساعد الحكومة الأمريكية على تمويل عجزها المالي المتضخم، الذي يدعم بدوره أرباح الشركات الأمريكية.
توترات اجتماعية وسياسية.. ثمن الفقاعة الباهظ:
هذا الهيكل الاقتصادي لا يخلو من توترات اجتماعية وسياسية، حيث لم تُوزع مكاسب هذا النموذج بشكل عادل: 10% من الأمريكيين يمتلكون 88% من الأسهم، بينما يعيش نصف السكان تحت وطأة الديون، كما صرح وزير الخزانة سكوت بيسنت. كما أدى تصدير الوظائف الصناعية إلى الخارج إلى زيادة أرباح الشركات، لكنه أضعف فرص العمل للعمال وأسهم في ركود نمو الأجور.
فقاعة هشة.. ارتفاع الدين ينذر بأزمة مالية:
هذه الفقاعة هشة بطبيعتها، فارتفاع الدين بوتيرة أسرع من الدخل لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وإذا لم يُكبح العجز المالي، قد تواجه الولايات المتحدة أزمة مالية شاملة، ويرى بيسنت أن البلاد “مدمنة على الإنفاق”، مؤكدًا الحاجة إلى “فترة تطهير اقتصادي” مؤلمة.
تضخم الدولار.. سلاح ذو حدين في يد أمريكا:
يشير ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، إلى أن التدفقات الرأسمالية الكبيرة إلى الولايات المتحدة أدت إلى تضخم الدولار، مما أضر بالقدرة التنافسية الأمريكية وأسهم في العجز التجاري. وتهدف الرسوم الجمركية إلى الحد من هذه الآثار، على الرغم من أنها لم تُعلن كجزء من محاولة لتفجير الفقاعة.
إعادة التوازن الاقتصادي.. ثمن باهظ ينتظر الشركات والمستهلكين:
أوضح جوليان جاران، من MacroStrategy Partnership، أن أي محاولة لإعادة التوازن بين رأس المال والعمل ستأتي بتكلفة، حيث يجب أن ترتفع حصة العمالة من الدخل القومي على حساب أرباح الشركات. كما سيؤدي كبح العجز المالي إلى تقليص أرباح الشركات، أما فرض التصنيع المحلي من خلال الرسوم الجمركية فسيضغط كذلك على الأرباح. وفي حال تراجعت أرباح الشركات، فإن سوق الأسهم، المقيمة حاليًا بمستويات تاريخية مرتفعة، قد تكون عرضة لهبوط حاد. ومع انخفاض مكاسب رأس المال، سيضطر المستهلكون لزيادة الادخار، مما يقلل الطلب ويفاقم دوامة الانكماش الاقتصادي.
أسعار الفائدة الأمريكية.. قنبلة موقوتة تهدد الدولار:
يشير المحلل الاقتصادي ريتشارد دنكان من MacroWatch إلى أن أي تراجع في الطلب الأجنبي على السندات الأمريكية قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة الأمريكية، بل وربما إلى انهيار في الدولار. وقد مكنت الميزة الفريدة للدولار كعملة احتياطية عالمية الولايات المتحدة من تمويل عجزها دون فقدان ثقة الأسواق، لكن مع بداية الأسبوع، شهدت سندات الخزانة الأمريكية ارتفاعًا في العوائد، ما أعاد للأذهان سيناريو “لحظة ليز تروس” البريطانية عام 2022، عندما تسبب عجز مالي كبير متوقع في انهيار سوق السندات البريطانية.
هل يكون “التطهير الاقتصادي” سلسًا؟ التجربة اليابانية تحذر:
يتوقع بيسنت أن يكون التحول الاقتصادي “سلسًا”، مع انتقال القوة تدريجيًا من وول ستريت إلى الشارع الأمريكي، لكن اضطرابات الأسواق الأخيرة والتجربة اليابانية تشير إلى خلاف ذلك. ففي أواخر الثمانينات، شهدت اليابان تضخمًا كبيرًا في أسواق الأسهم والعقارات، وارتفعت الديون وتضخمت أرباح الشركات عبر الهندسة المالية، ثم قررت السلطات كبح الفقاعة عبر رفع أسعار الفائدة، معتقدة أن “الثروة الزائفة” ستزول دون الإضرار بالاقتصاد الحقيقي، لكن النتيجة كانت أزمات مصرفية متتالية و”عقدين ضائعين” من الركود. وفي بداية هذا العام، كانت سوق الأسهم الأمريكية تشكل 64.4٪ من القيمة السوقية العالمية – النسبة نفسها تقريبًا التي بلغتْها السوق اليابانية في عام 1988، وبعد عقد من الزمن، تقلصت الحصة اليابانية بأكثر من الثلثين، وعلى المستثمرين الأمريكيين أن يأخذوا هذا الدرس على محمل الجد.