الرسوم الأمريكية على مصر.. تهديد أم فرصة تجارية؟

الرسوم قد تعزز صادرات مصر لأميركا في ظل المعدلات الكبيرة المفروضة على الدول المنافسة
صادرات مصر إلى أميركا ارتفعت إلى 2.25 مليار دولار خلال 2024 والواردات 7.56 مليار دولار

أثارت الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على التجارة المصرية تساؤلات حول تأثيرها على حجم التبادل بين البلدين، إذ يرى بعض المسؤولين أنها قد تفتح فرصاً استثمارية وتزيد الصادرات، بينما يحذر آخرون من تداعيات سلبية على الصادرات المصرية وتصاعد التوترات التجارية العالمية، بما قد يضر بتدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة، ومنها مصر.

وافق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم الأربعاء على فرض رسوم جمركية على 185 دولة بحد أقصى 50% وبحد أدنى 10%، شملت نحو 125 دولة. وطالت الرسوم كلاً من مصر والسعودية والإمارات والمغرب بنسبة 10%، والأردن بنسبة 20%، كما قرر فرض رسوم بنسبة 41% على سوريا، وبنسبة 31% على ليبيا، وعلى العراق بنسبة 39%، والتي من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ بدءاً من السبت 5 أبريل.

موقف مصر من رسوم ترامب
تدرس وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية حالياً تداعيات القرار، بحسب ما ذكره مسؤول حكومي تحدث مع “الشرق”، مشيراً إلى أنه يجري الآن تحديد ما إذا كانت تلك الرسوم الجمركية على القائمة الحالية أم أنها ستكون مركبة، وهل ستشمل اتفاقية الكويز أم لا؟

مسؤول حكومي آخر قال إن فرض الولايات المتحدة تعريفة جمركية بنسبة 10% على الصادرات المصرية لن يؤثر سلباً على مصر، بل من المتوقع أن يكون له تأثير إيجابي على التوسع في الاستثمارات.

وذلك لأن “المستوردين الأميركيين هم من سيتحملون عبء الرسوم الجديدة التي تم فرضها”، وفق المسؤول الذي فضّل عدم ذكر اسمه، مشيراً إلى أنها ستساهم في تعزيز التنافسية للصادرات المصرية، خاصة أن الدول التي فرضت عليها الولايات المتحدة رسوماً مرتفعة، مثل الصين، من المتوقع أن تتوجه إلى مزيد من الاستثمارات في مصر، إذ إن تكلفة التصدير من مصر منخفضة مقارنة بالدول الأخرى.

أضاف المسؤول في حديثه مع “الشرق” أن الصين وسعت في الفترة الأخيرة استثماراتها في مصر، خاصة في المنطقة الاقتصادية، مما يعكس اهتماماً متزايداً بالاستثمار في السوق المصري، كما أن مصر تتمتع بعدد من العوامل التي تعزز من قدرتها التنافسية، مثل المناطق الاقتصادية والحرة، والعمالة الرخيصة، واستقرار سعر الصرف.

صادرات مصر إلى الولايات المتحدة
ارتفعت صادرات مصر إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال عام 2024 بنسبة 12.8% لتصل إلى 2.25 مليار دولار، مقابل 1.99 مليار دولار خلال عام 2023، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي أشار إلى زيادة واردات مصر من الولايات المتحدة بنسبة 46.9% لتسجل 7.56 مليار دولار.

علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين قال لـ”الشرق”، إن الرسوم التي فرضها ترمب على صادرات مصر هي الأقل في القائمة التي تم إعلانها، ما يعني أن هناك فرصة أمام مصر لرفع صادراتها إلى الولايات المتحدة في قطاعات مثل الملابس، لتتفوق بها على دول مثل الصين وتايوان.

وأضاف أن أميركا هي ثاني أهم الأسواق التي تصل إليها الصادرات المصرية، بعد الاتحاد الأوروبي، وحجم التأثر الناجم عن الرسوم لن يكون كبيراً في مقابل النسب المعلنة على باقي الدول، لكن من جهة أخرى سيرفع أسعار فاتورة الواردات، ما يعطي فرصة جديدة لزيادة الإنتاج المحلي.

كما رجّح رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين أن ترد كل من الصين وتايوان واليابان على تلك الرسوم باعتبارها جبهة اقتصادية وتجارية قوية، وسيكون للاتحاد الأوروبي دور في مواجهة الإجراءات التي يتخذها الرئيس الأميركي كذلك.

اتفاقية “الكويز” بين مصر وأميركا
جاءت الملابس في مقدمة السلع المصدرة إلى الولايات المتحدة خلال عام 2024، يليها الحديد والصلب، ثم السجاد والخضر والفاكهة، بينما شملت الواردات الوقود والزيوت المعدنية، يليها الحبوب والنباتات الطبية والعلف، ثم الطائرات وسفن الفضاء، والمراجل والآلات والأجهزة الآلية.

أحمد زكي، الأمين العام لشعبة المصدرين باتحاد الغرف التجارية المصرية، قال لـ”الشرق” إن التعريفات الجمركية ستؤثر بنسبة 10% على الصادرات المصرية للولايات المتحدة، وهي نفس قيمة التعريفة الجمركية المفروضة.

وقلل الأمين العام لشعبة المصدرين في مصر من تداعيات القرار، لأن مصر من الدول التي فرض عليها أقل نسب رسوم جمركية على صادراتها لأميركا، وهو الأمر الذي لن يؤثر كثيراً على الصادرات المصرية للولايات المتحدة في الفترة المقبلة، بجانب الاتفاقيات الدولية الموقعة بين مصر وأميركا مثل اتفاقية “الكويز”، التي تسمح للمنتجات المصرية بالدخول لأميركا دون جمارك.

بلغ إجمالي قيمة الصادرات المصرية من الملابس الجاهزة إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال عام 2024 نحو 1.19 مليار دولار، مقابل 1.01 مليار دولار خلال 2023، بنسبة زيادة بلغت 17%، في الوقت الذي تستهدف فيه مصر مضاعفة تلك الصادرات خلال السنوات المقبلة، وفق المجلس التصديري المصري للملابس الجاهزة.

“المواطن الأميركي هو من سيتأثر بشكل أكبر بهذه الزيادات الجديدة على واردات الدول الأجنبية للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي يحاول فرض السيطرة على صادرات الدول بهذه القرارات الجديدة”، بحسب زكي.

محنة أم منحة لمصر؟
من جانبه، قال محمد قاسم، رئيس جمعية المصدرين المصريين “إكسبولينك” لـ”الشرق”، إن الرسوم ستخلق فرصة لمصر للتوسع في صادراتها في ظل الرسوم الكبيرة التي فرضها الرئيس الأميركي على المنافسين من الدول الأخرى.

قاسم أضاف أنه لن يكون هناك تأثير يُذكر على الصادرات المصرية لأميركا في ظل الاتفاقيات الدولية الموقعة بين مصر وأميركا، ومنها اتفاقية “الكويز”، مضيفاً أن ما يفعله الرئيس الأميركي ترمب ليس بالضرورة سيستمر، لأن هدم سلاسل الإنتاج العالمية في يوم واحد لن يُجدي، حيث استغرق بناء هذه المنظومة أكثر من 30 عاماً، وليس من الطبيعي هدمها في يوم واحد.

كانت مصر قد وقعت اتفاقية “الكويز” (QIZ) أو (Qualifying Industrial Zone) في عام 2004 مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأميركية دون جمارك أو حصص محددة، شريطة أن يشارك المكوّن الإسرائيلي في هذه المنتجات، وفقاً للنسب والمدخلات المتفق عليها والتي تصل إلى 10.5%.

تأثير الرسوم الأميركية على مصر
محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في “إي إف جي القابضة”، قال هو الآخر إن تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على مصر له بُعدان: تأثير مباشر، وهذا محدود نظراً لأن حجم الصادرات المصرية محدود، إلى جانب أن الاقتصاد المصري لا يعتمد على الصادرات، أما التأثير غير المباشر، فيتعلق بحركة رؤوس الأموال في الأسواق الناشئة، خاصة أن الفترة الحالية تتسم بـ”عدم اليقين”.

أبو باشا تابع في حديثه لـ”الشرق” أن حركة رؤوس الأموال لم تتغير حتى الآن، ولكن تأثيرها يعتمد على ردود الأفعال للدول التي تم فرض تعريفات جمركية عليها من قبل الولايات المتحدة، خاصة أن التضخم العالمي هو صاحب الكلمة العليا في التأثير على حركة رؤوس الأموال، وأن تلك التغيرات من شأنها أن تؤثر على ارتفاع التضخم العالمي.

أما عمرو الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم بشركة “ثاندر” لتداول الأوراق المالية، فيرى أن الرسوم المفروضة على مصر هي الأقل بين الدول، مما يعطي فرصة لبعض القطاعات، خاصة قطاع المنسوجات، لزيادة صادراته في ظل ارتفاع تعريفة الجمارك على الدول المنافسة لمصر في الصادرات لأميركا، وعلى رأسها الهند وبنغلاديش، موضحاً أن حجم الصادرات المصرية لأميركا ضئيل بالأساس.

الألفي أضاف لـ”الشرق” أن تلك الزيادة سيتحملها في النهاية المواطن الأميركي، والمخاطرة الأساسية هنا تتلخص في اشتعال فتيل حرب تجارية في حال لجوء الدول المشمولة بالرسوم للرد على قرارات الولايات المتحدة، مما يثير المخاوف حول بداية ركود اقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى