الدراما المصرية .. جدلية القيم والإبداع

بقلم : د. قياتي عاشور
في خضم التحولات التي تشهدها حالة الدراما المصرية، ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي في مارس 2025 بتوجيهاته الضوء الكاشف على مسار الدراما المصرية، داعياً إلى إعادة صياغة محتواها ليكون انعكاساً أميناً للواقع المصري، متسلحاً بقيم التسامح والتعاون، وبعيداً عن تمجيد العنف أو استغلال الجريمة كمادة جذب للمشاهد.
إن هذه الدعوة لم تأت من فراغ، بل كانت استجابة لموجة انتقادات شعبية طالت أعمالاً درامية التي قدمت أبطالاً يفرضون العدالة بالقوة، مما أثار مخاوف من ترسيخ فكرة أن العنف وسيلة مشروعة لحل الصراعات، خاصة في أعين جيل الشباب، وكأن القوة باتت بديلاً عن القانون.
ومن منظور علم الاجتماع، تتجاوز الدراما حدود التسلية لتصبح أداة فاعلة في تشكيل الوعي الجمعي وقد ألقت نظرية الغرس الثقافي، التي طورتها أبحاث الإعلام، أن المشاهدين الذين يتعرضون بكثافة لمحتوى معين قد يتبنون الصور النمطية التي يقدمها، فإذا كان العنف هو البطل الأوحد على الشاشة، قد يترسخ في الأذهان كحل أولي للمشكلات، وإذا كانت القيم الإيجابية هي المحور، فقد تصبح بذوراً لتغيير اجتماعي حقيقي. هذا التأثير يضع على عاتق صناع الدراما مسؤولية مضاعفة، ليس فقط لتقديم ما هو ممتع، بل ما هو مفيد ومؤثر في بناء مجتمع أكثر تماسكاً.
وللتوفيق بين مطالب حماية المجتمع من جهة، وصون حرية الإبداع من جهة أخرى؟ الحل، كما يبدو، يكمن في بناء جسور من الحوار بين صناع الدراما والدولة والجمهور، ونقاش يضمن أن تكون التوجيهات داعمة لا مقيدة، وأن تُترجم إلى حوافز تشجع على إنتاج أعمال تحمل قيمًا إيجابية دون أن تفقد روح الفن. كما أن تعزيز الوعي الإعلامي لدى المشاهدين يظل خطوة حاسمة، ليصبحوا قادرين على تحليل ما يشاهدون بعين ناقدة، لا متلقية سلبية.
إن الدراما المصرية، التي طالما كانت ركيزة ثقافية ليس فقط في مصر ولكن في العالم العربي، تقف اليوم أمام تحدٍ يختبر قدرتها على التجديد والارتقاء. إن دعوة الرئيس لصناع الدراما جاءت لإثبات أن الفن قادر على أن يكون مرآة للواقع ومصباحاً ينير دروب التغيير، دون أن يفقد روحه أو يتنازل عن حريته. فالمستقبل، بكل تحدياته، ينتظر أعمالاً درامية تُلهم وتعزز القيم الإيجابية، وتُثبت أن الإبداع الحقيقي هو ذلك الذي ينبض بالحياة ويحترم الإنسان.