شريف عارف يكتب: تجديد “الخطاب الدرامي”

في اعتقادي أن الدولة المصرية تدخلت، في الوقت المناسب لوقف النزيف ومنع هذه الحالة، التي نعيشها منذ سنوات في مسألة “التسيب الدرامي”.
منذ سنوات والجمهور المصري يتحدث عن أن هذه الدراما، التي يشاهدها في غالبيتها – ولا أقول كلها – لا تمثل الواقع المصري أو تتحدث بتطلعاته وآماله، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها منصف، أو يتجاهلها متابع.
السؤال المتكرر دومًا.. كيف قفزت كل هذه الأعمال التي تروج للعنف والقتل والتحريض وتأجيج الصراعات إلى الدراما المصرية؟!.. الدراما التي كانت مصدرًا رئيسيًا في سلامة البنيان النفسي والاجتماعي والحس الوطني لمصر والمصريين.
على مدى سبعة عقود كانت الدراما المصرية جزءًا من الحياة اليومية للمصريين. نجومها هم المثل الأعلى لأجيال، ومواقفها من قضايا الأمة المصرية ما زالت مضرب الأمثال، وهو ما حرص عليه اتحاد الإذاعة والتيلفزيون منذ تأسيسه عام 1960.. فكانت الأعمال الدرامية الكبرى منذ “القاهرة والناس” وحتى الأعمال الملحمية المتمثلة في “دموع في عيون وقحة” و”رأفت الهجان” والأعمال المجتمعية الشيقة المتمثلة في “ليالي الحلمية” و”الشهد والدموع” و”زيزينيا” وغيرها من الأعمال التي مست الوجدان المصري وعبرت عنه، وكانت ناقلًا لتفاعلاته ومرشدًا له في خطواته.
الدول العظمى هي التي تعيد تقييم مستوى الجودة في كل شيء، وهذا ما نحتاجه الآن بكل صراحة وبكل دقة.
وفي رأيي أن الدولة المصرية، متمثلة في قيادتها السياسية في شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد أعطت الضوء الأخضر في مناقشة وطرح هذه القضية بكل قوة، أمام النقاش المجتمعي.
لقد تحدث السيد الرئيس في حفل الإفطار السنوي للقوات المسلحة بلسان المصريين جميعًا، مشيرًا إلى أن هناك خللاً ما، وأن هذا الخلل لابد أن يتم معالجته، لكي تكون الدراما بحق أداة من أدوات تعزيز الهوية الوطنية لا إهدارها وتدميرها، خاصة في الوقت الذي تتعرض له مصر لهذا الكم من الأخطار، وهذه التحديات التي يجب على الجميع أن يتكاتف لمواجهتها.
ولفت نظري في اللقاء الذي عقده الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، الذي أعلن فيه عن تشكيل مجموعة عمل ضمت وزارة الثقافة وعددًا من الجهات المعنية بملف الإعلام والدراما؛ بهدف وضع تصور علمي وموضوعي لمستقبل الدراما المصرية، الحديث عن أن هذا التوجه لا يهدف بأي حال من الأحوال إلى تقييد حرية الإبداع والفكر، وإنما تقديم دراما تعبر بصدق عن الواقع المصري، وتتناول قضايا المجتمع بأسلوب احترافي يعزز الهوية الوطنية والانتماء، مع التزام بالثوابت الأخلاقية والحضارية.
وفي اعتقادي أن هذه النقطة هي الأهم على الإطلاق؛ لأن الدولة المصرية لا تريد أن تقيد حرية الإبداع، وهذه حقيقة والكل يعلمها، ولكن القضية الحقيقية هي متابعة المنتج، الذي يقدم إلى الشعب المصري وطرح الأسئلة التقليدية.. هل هذا المنتج يناسب قيم المجتمع المصري.. هل يتوافق مع تطلعاته وأحلامه وآماله، أم أنه ضد كل ذلك وضد حتى هويته الوطنية؟
القضية الحقيقية أن معظم هذه الدراما للأسف تتحرك بلا بوصلة، وبلا هدف، سوى الهدف التسويقي والبيعي، دون مراعاة تأثير ذلك على الوطن وسلامة جبهته الداخلية وعلى الأجيال المقبلة.
النقطة الأخرى هي فكرة استعادة الدراما المصرية الحقيقية وتطويرها بما يوافق المتغيرات الحديثة، وهذه الفكرة لا تقل أهمية عن الفكرة الرئيسية.. فنحن هنا لا نسعى إلى تقديم أعمال مماثلة أو مستنسخة من أعمال سابقة، وإنما نسعى إلى تطويرها بما يتواكب مع متغيرات العصر.
وضع متغيرات العصر هو “السياق الزمني” لإنتاج أي عمل مقبل؛ لأن هذا السياق هو المعبر عن مضمون الإنتاج وهو -أيضًا- الذي يقدم ويحقق للمستهلك غاياته وتطلعاته.
نحن في عالم تغير فيه كل شيء مع وسائل النيوميديا، وأصبح الإنتاج يسيرًا لبعض وصعبًا لبعض آخر، خاصة أن مفهوم الإنتاج الضخم تضاءل بعد تسارع وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح كل فرد يمكنه أن يقدم إنتاجًا ليس دراميًا فحسب، بل إنتاج يتواصل مع المشاهدين بشكل مباشر.
الحقيقة التي لا تقبل التشكيك هي أننا نريد “تجديدًا في الخطاب الدرامي” ..وأن الوطن يحتاج إلى كل فكر محترم لديه القدرة على التطوير والتعامل مع متغيرات العصر..
مصر دولة كبيرة وقوية.. ومن حقها أن يكون لديها الدراما المثلى التي تعبر عنها..