أمل خليفة تكتب: خطة إعمار غزة من الالف للياء 

نكاد نتفق جميعاً إنه لن يكون هناك حياة آدمية في قطاع غزة بدون الشروع في عملية الإعمار، ولكن بشرط أن لا يكون هذا الإعمار على حساب التهجير وتصفية القضية، لذلك سارعت مصر في تقديم خطة مصرية لإعادة إعمار غزة بسواعد فلسطينية وبدون تهجير أهل القطاع. هذه الخطة عرضتها مصر على الدول العربية فلاقت ترحيب من معظم الدول، ومن هنا أصبحت خطة “مصرية عربية” كما لاقت ايضا ترحيب من الأمم المتحدة وبعض الهيئات والمؤسسات الدولية، فأصبحت خطة مصرية دولية إن جاز التعبير.

ويعد المقترح المصري خطة شاملة للتعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة، وسوف تنفذ بسواعد الشعب الفلسطيني ومن أجله، ولكى نفعل هذه الخطة على أرض الواقع فنحن نحتاج إلى خفض التصعيد والتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة والحفاظ على استدامته، كما نحتاج إلى اللجوء إلى الحوكمة، وذلك من خلال إنشاء وتمكين لجنة إدارة غزة لتسيير الأمور الحياتية لسكان القطاع لفترة مؤقتة، والعمل بالتوازي على تمكين السلطة الفلسطينية. بالإضافة إلى تعزيز الجانب الأمني وذلك من خلال تدريب وبناء قدرات العناصر الشرطية بهدف نشرها في غزة، وكذلك نشر قوات دولية للحماية وحفظ السلام بفلسطين بولاية واضحة بموجب قرار مجلس الأمن على أن يكون ذلك مرتبطاً بأفق للتوصل لحل الدولتين. وأخيراً استئناف المباحثات بين الجانبين لإقامة الدولة الفلسطينية، بما يحول دون العودة إلي دائرة العنف مرة أخري.

الخبرة السابقة

رغم التجارب المصرية السابقة في عمليات الاعمار داخل الأراضي الفلسطينية، إلا إن الخطة المصرية قد استندت على التقارير والإحصائيات والدراسات المقدمة من عدة جهات منها الحكومة الفلسطينية، والبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ومكتب منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية OCHA ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام UNMAS، وغيرها من المنظمات الأممية، وبالتنسيق الكامل مع الحكومة الفلسطينية وذلك بحيث يتم تنفيذ الخطة بسواعد فلسطينية ودون تهجير سكان القطاع.

هذا بالإضافة إلى استناد الخطة على عدة مصادر مثل صور الأقمار الصناعية والوسائل العلمية الأخرى وذلك لتقييم الاضرار بقطاع غزة ووضع خطة عملية لإعادة الإعمار، بما يضمن نتائج دقيقة قائمة على الأدلة، وكذلك الاستفادة من الخبرات والتجارب الإقليمية والدولية، وايضاً التجارب القطرية والمصرية السابقة في إعادة إعمار قطاع غزة.

تصنيف الضرر
وفي هذا السياق يمكن تصنيف الضرر من منظور خطة الإعمار إلى مناطق مُدمرة بالكامل وهذه تتطلب جهود إعمار تتمثل في إزالة الركام وإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، ثانيا: مناطق شبه مُدمرة وهذه تتطلب ترميم واعادة تعافي بهدف استعادة الوحدات السكنية والبنية التحتية، والمناطق الأقل تضررا وهذه تتطلب تدخلات بسيطة تهدف لاستعادة خدمات معينة وضمان استدامة عملية الأعمار.

ووفقاً لتقرير صادر عن القطاع بلغ اجمالي المباني السكنية المتضررة 330 ألف مبني (272 ألف وحدة سكنية مدمرة بالكامل، 58500 ألف وحدة سكنية مدمرة بشكل جزئي). وتم تدمير 68% من شبكات الطرق، وبالنسبة لقطاع الصحة فإن نصف مستشفيات غزة أصبحت خارج الخدمة بالكامل، بينما تعمل المستشفيات المتبقية بشكل جزئي وبما لا يكفي لتلبية احتياجات الفلسطينيين، أما فيما يتعلق بالتعليم قد دُمرت 88% من المدارس بالقطاع وما تبقى منها تحول إلي ملاجئ مؤقتة كما تم تدمير 51 مبنى جامعي، وفي قطاع الزراعة تم تلف نحو 68% من الأراضي الزراعية.

ازالة المخلفات
ولكن سوف يسبق عملية إعادة الإعمار مرحلة منهجية التعامل مع الركام والذخائر غير المنفجرة وهذه تنقسم إلي أربع مراحل وهي مرحلة إزالة المتفجرات والألغام والصواريخ غير المنفجرة حيث تقدر كمية الركام في قطاع غزة بحوالي 50 مليون طن يقع ثلثها في منطقة غزة 40 مليون طن نتيجة تدمير المباني و10 مليون نتيجة تدمير الطرق، لذا يتطلب التعامل مع الذخائر غير المنفجرة UXOS في الركام خبراء متخصصين وتعامل حذر لضمان أمان السكان، حيث تهدف عملية إزالة الركام والذخائر غير المنفجرة إلي تعزيز أمان السكان وإعادة تدوير المواد توفيراً للموارد.

ثم تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة فصل واستخراج المعادن والمواد الكيميائية والرفات. تليها المرحلة الثالثة المتعلقة بإعادة تدوير الركام لتعزيز الاستدامة والحفاظ علي الموارد، وأخيراً تأتي المرحلة الرابعة وهي تحويل الركام إلى مواد بناء أو استخدامه في ردم أجزاء من البحر لتوسيع القطاع.

مراحل الخطة

تأتي أولاً مرحلة التعافي المبكر و تستغرق تقريباً من 6 شهور إلى أقل من عام وهي عبارة عن البدء في إقامة الإسكان المؤقت، وإصلاح جانب من ال60 ألف منزل مدمر جزئياً، والبدء بإزالة الركام والأجسام غير المنفجرة، واستئناف بعض الخدمات الأساسية الفورية كالخدمات الصحية، وتوفير الحماية الاجتماعية، وتقدر تكلفة هذه المرحلة ب 3مليار دولار.

تليها مرحلة إعادة الإعمار الأولي وسوف تنفذ في عامين: وهي استكمال الخدمات الأساسية والمرافق وإنهاء أعمال إزالة الركام، واستكمال ترميم ال60 ألف وحدة المدمرة جزئياً، وذلك بالتزامن مع إنشاء 200 ألف وحدة سكنية دائمة، واستصلاح 20 ألف فدان من الأراضي الزراعية. وتقدر تكلفة هذه المرحلة ب 20 مليار دولار.

ثم مرحلة إعادة الإعمار الثانية وتستغرق عامين ونصف وهي استكمال الشبكات والمباني الخدمية اللازمة، وانشاء 200 ألف وحدة سكنية دائمة لاستيعاب الزيادة السكانية، وإقامة ميناء بحري تجاري وآخر للصيد ومطار ومنطقة صناعية، وإنشاء طريق الكورنيش على المنطقة الساحلية بطول 10 كيلو متر، وبتكلفة 30 مليار دولار.
وبالطبع سيكون لهذه المراحل تأثير اجتماعي كبير كما إنها ستوفر 500 ألف فرصة عمل بمختلف القطاعات.

مستقبل آمن

لضمان الكفاءة والاستدامة وفاعلية خطة التعافي وإعادة الإعمار فقد تم صياغة الخطة لصالح الفلسطينيين في قطاع غزة، وبحيث يتم إعادة بناء القطاع مع ابناء الشعب الفلسطيني، مع ابقائهم في أرضهم. كما تم صياغة الخطة بصورة تراعي الرابط غير القابل للفصل بين غزة والضفة الغربية باعتبارها إقليم الدولة الفلسطينية المستقلة، وبحيث تساهم عملية إعادة الإعمار في تعزيز الترابط الاقتصادي والاجتماعي والتنموي والتكنولوجي بينهما.

مع التأكيد على” أولوية تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمراحله الثلاث، وبما يؤدي إلى استدامة التهدئة بين الجانبين وأهمية التزام كل طرف بتعهداته، وبالأخص الجانب الإسرائيلي، وكذا النفاذ الكامل للمساعدات وإدانة سياسة التجويع.

انشاء آلية لضمان الأمن والاستقرار تعتمد على الشرطة الفلسطينية وتأهيلها مع النظر في خلق أفق سياسي للحل يتيح المجال لنشر قوة دولية بموجب فقرار أممي وبما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار للجميع.

والترحيب بجهود دولة فلسطين المستمرة في إطار الإصلاح الشامل وعلى جميع المستويات وعملها على بناء مؤسسات قوية ومستدامة قادرة على تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني. وأخير فإن غزة تستحق مستقبل آمن ومزدهر ومستدام ويحمل الأمل للفلسطينيين، مستقبل يشكل بداية تنبئ بعهد جديد من الازدهار والأمن لغزة والفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى