كل عام ورجال مصر وصقورها بخير

بقلم – محمد فتحى 
قبل حوالي ٧١ سنة اجتمع جمال عبد الناصر مع ٤٠ ضابط من الضباط الأحرار واتكلم معاهم عن اننا مالناش حزب .. وماعندناش جهاز معلومات يا جماعة يخلينا نقف على رجلنا قصاد الانجليز والصهاينه والامريكان وقصاد اعداء الثورة، والشغل اللي بتعمله المخابرات الحربية او اللي بيعمله البوليس السياسي مش ملاحقين عليه .. لازم يكونلنا جهاز مخابرات، ويومها عهد لزكريا محيي الدين بتأسيس الجهاز .
زكريا عرف بإنه الرجل الصامت.
صعب تلاقيله حوار صحفي او لقاء إعلامي.
كان الاقرب للامريكان ولجمال عبدالناصر اللي قرر ان هو اللي يكون رئيس بداله لما تنحى، وأشرف زكريا على الجهاز وعلى تأسيسه من ١٩٥٤ ولمدة سنتين .. بعدها ترأسه علي صبري مدير مكتب الرئيس وقتها، واللي كان واخد فرقة مخابرات في امريكا قبل سنين، وكانت أعمدة جهاز المخابرات العامة المصرية في فترة تأسيسه قايمة على :
– كمال رفعت : اللي تولى شئون الإنجليز في الجهاز
– مصطفى المستكاوي : تولى الدور الإعلامي( المخابرات من يومها الاول على اتصال بالاعلام وتعتبره أداة من أدوات الصراع).
– سعد عفره : تولى مسئولية توفير المعلومات عن ( علم المخابرات) اللي كان علم قائم بذاته لكن بدون كتب عربية، وكانت المؤلفات عنه قليلة جدًا .
– ده غير فريد طولان واحمد كفافي اللي حط البذرة الاولى لادارة المخابرات الاقتصادية
– وفتحي الديب : اللي تولى فرع الشئون العربية ..
– عبد المحسن فائق : اللي كان في النشاط الخارجي ضد إسرائيل واللي جند رفعت الجمال وعرفنا هذا الضابط العظيم بإسم محسن ممتاز في رواية صالح مرسي رأفت الهجان
بعد شوية لاحظ جمال عبد الناصر ان علي صبري منشغل بالسياسة اكتر عن الجهاز، ووقتها استدعى صلاح نصر اللي عمل الطفرة الحقيقية في تاريخ الجهاز
صلاح نصر كان قائد الكتيبة ١٣ اللي تزعمت الثورة ..
كان ليه كتاب بيتدرس في كلية اركان الحرب، وكان مدير مكتب القائد العام .. جمال عبد الناصر قال لصلاح نصر : هتمسك نائب رئيس الجهاز في البداية، تمهيدا لانك تكون رئيس الجهاز لان علي صبري هيبقى وزير دولة.
صلاح نصر كان رافض بشدة، لكن جمال عبد الناصر اتكلم معاه في إعادة تنظيم الجهاز، ووقع القرار بالفعل بعد ما قال له ان دي مهمة للثورة بتعهد ليها لرجل الثورة وماينفعش يرفضها.
كان صلاح نصر ناوي يخلع الكتافات وينزل الجهاز خلال اسبوع بكتيره.
لكن بيحصل العدوان الثلاثي ويلبس البدلة الميري ويسلم نفسه للقيادة العامة اللي بتوزعه على اسماعيلية اثناء الحرب.
وبيرجع صلاح نصر بعدها يمسك الجهاز عشر سنين .. عشر سنين بيهيد تنظيم الجهاز على أسس علمية، وبيبص لتجارب العالم، وبصنع كيان مستقل وقوي للجهاز، وينظم اداراته، ويساعد في انشاء مكتبة عن ( علم المخابرات ) لانه لما جه ( يذاكر) مالقاش غير قصص جاسوسية وروايات خيالية لأيان فلمنج ضابط المخابرات البريطانية اللي ابتكر شخصية جيمس بوند، بينما كل ما يخص هذا ( العلم ) لم يكن موجودًا، وكانت أغلبها اجتهادات من ضباط الجهاز اللي رغم كده كشفوا شبكات تجسس وزرعوا جواسيس وأحبطوا حاجات كتيرة .
– وبعدها بسنين بيدرك صلاح نصر ورجال الجهاز ان لازم يكون فيه استقلال اقتصادي للمخابرات، وبتنشأ شركة النصر، وأنشطة اقتصادية كتيرة على غرار ما يحدث قي أجهزة مخابرات عالمية شهيرة (وتم توسيع ده في تعديل قانوني سنة ٢٠١٨)..
ودارت العجلة والمواجهات في فترة صعبة في تاريخ مصر كان الأساس فيها ان رجال الظل هيفضلوا في الظل .
يعني أزمة دقيق يحلوها ف قلب البحر بالتعاون مع المخابرات الايطالية.
اسقاط شبكات تجسس.
تعاون دولي وقنوات اتصال بتمنع المصيبة قبل وصولها لمصر، وكل ده في السر، وبلا استعراض، وبتحمل لكل ما يقال في فترات الارتباك السياسي والشعبي .
كل ده ودور رئيس الجهاز رغم اي شئ هو استشاري وليس صنع القرار، وإنما رفع تقدير موقف لرئيس الجمهورية . متابعة الصراع مع الأجهزة العالمية والسعي للسيطرة المعلوماتية .. وغيرها وغيرها من ( البطولات).. بس ماحدش بياخد كريديت ولا يطلع يقول انا اللي عملت .
لا بالعكس ..
ده ممكن يبقى كبش فداء، او يتعرض هو والجهاز لهزة شديدة زي ما حصل مع صلاح نصر نفسه بعد نكسة ٦٧ .. واعيد تنظيم الجهاز من جديد وقتها بإشراف أمين هويدي ومتابعة بطل في اسمه نسيم .. محمد نسيم او نسيم قلب الاسد ابن الجمالية وضابط المخابرات المصري الشهير ، وبيفضل جهاز المخابرات على نفس الأسس والمبادئ اللي سمعتها شخصيًا أنا وزملاء من أحد رؤساء الجهاز :
” احنا بنخدم البلد مش النظام ولا اشخاص .. والعمل في الظل دائما” ..
ومن زكريا محيي الدين وصلاح نصر لأمين هويدي وأحمد اسماعيل علي واحمد عبد السلام توفيق وغيرهم من رؤساء الجهاز اللي فضلوا صمام أمان هذا الوطن.
ويتعاون مع كتاب كبار عرفنا بطولات كتير للجهاز من خلال أعمالهم ورواياتهم ومسلسلاتهم زي ماهر عبد الحميد وصالح مرسي ونبيل فاروق .. ودخل الإعلام ( وخصوصا من بعد ٢٠١١) كجزء من الحرب النفسية الصريحة والصراع المعلوماتي وأداة من أدوات الصراع اللي فضل يتطور ودخل على السوشيال ميديا ..
ومن عمر سليمان ومحمد رأفت شحاتة وصولا للوزير عباس كامل والوزير حسن رشاد (المهندس)..
بيظل جهاز المخابرات العامة المصرية ملئ بأساطير وبطولات وأسرار لم يكشف عنها وأسماء كبيرة وعظيمة وتاريخية زي الفريق رفعت جبريل مثلا وأسماء أخرى لا نعلمها واكتفت بخدمة الوطن في صمت ..
الجهاز اللي عمل متحف مهم داخل مقره لإنجازاته من واقع العمليات العظيمة اللي تمت أتمنى يتاح للإعلام تصويره .. الجهاز اللي اشتغل وأسس لفكرة (علم المخابرات ) عند رجاله اللي هو أوسع من فكرة جاسوس او عين وانما بيشتغلوا قي كل حاجة تتخيلها او لا تتخيلها ..
الجهاز اللي من مجرد مكان في شارع القصر العيني لموقع كبير ومهم قي كوبري القبة بيعقد مؤتمرات استخباراتية عالمية للتنسيق الدولي، وصولا لإنه يكون صاحب دور دولي وإقليمي لا يستطيع أحد الاستغناء عنه ، وهو الجهاز اللي اكتسب سمعة عالمية جعلته لا يستهان بيه ولا بقلة إمكاناته مقارنة بأجهزة تانية ..
غير عابئ بما يقال عنه قي اوقات الأزمات والخروب او بمحاولات النيل منه ..
مطورا من أدوات الصراع وساعيًا بشكل دائم لأمن مصر والمصريين والحفاظ على ( الدولة) المصرية .
هذا الجهاز بيحتفي اليوم بذكرى تأسيسه ..
كل عام ورجال مصر وصقورها بخير وفي انتظار بطولات نحكيها لأبناء هذا الجيل،
وسعي دائم لأن نظل : بنحكي الحكاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى