ما جئتم به السحر إن الله سيبطله

بقلم: د. ناصر السلاموني
رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية
لقد انتشر السحر بين الناس كالنار في الهشيم، وأصبح السحرة والدجالون يُلقبون زورًا بـ”الشيوخ”، حتى امتد تأثيرهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتلاعبون بعقول الناس، مستغلين حاجتهم وضعفهم. فصار لهم أتباع من الجهلاء والمثقفين على حد سواء، يسعون إليهم بحثًا عن حلول لمشاكلهم، غير مدركين أنهم بذلك يفتحون أبواب الشر على أنفسهم.
لقد حذرنا الله تعالى من السحر وعواقبه، فقال: “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ” [البقرة: 102].
وهكذا يتبين لنا أن السحر فتنة عظيمة، وأنه لا يؤثر على المسحورين إلا بإذن الله، وهو وحده القادر على إبطاله. وقد كان اتهام الأنبياء بالسحر وسيلة للطعن في رسالتهم، فقال تعالى: “كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَٰحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ” [الذاريات: 52]. لكن الله جعل الباطل زاهقًا، وأكد أن السحر لا يدوم، فقال: “فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ” [يونس: 81].
إن اللجوء إلى السحرة والمشعوذين جريمة في حق العقيدة، وقد حذر النبي ﷺ من ذلك فقال: “من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا” (رواه مسلم)، وقال: “من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد” (رواه أحمد). فمن يذهب إليهم قد يعرض نفسه لخطر عظيم، حيث يصبح فريسة للضلال والشك، ويخسر الدنيا والآخرة.
للساحر و الدجال المشعوذ علامات واضحة، منها وجه يعلوه القتر والظلام، فلا نور فيه ولا طمأنينة، وتصرفاته مليئة بالحقد والحسد، يتمنى زوال النعم عن الآخرين. يستخدم أساليب ملتوية لجذب الضحايا، مدعيًا حل مشكلاتهم، لكنه في الحقيقة يزيدهم رهقًا، كما قال الله تعالى: “وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا” [الجن: 6]. وقد وصفهم الله بأنهم أكثر ضلالًا من الأنعام، فقال: “لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُو۟لَٰئِكَ كَٱلْأَنْعَٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُو۟لَٰئِكَ هُمُ ٱلْغَٰفِلُونَ” [الأعراف: 179].
لكن لا خوف على من تمسك بالله، فقد قال تعالى: “إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا” [النساء: 76]. ومن أهم وسائل التحصين:
1. المداومة على قراءة الفاتحة، والمعوذتين، وآية الكرسي صباحًا ومساءً.
2. التمسك بالدعاء والتوكل على الله، فهو الحافظ والناصر.
3. استخدام الرقية الشرعية بالقرآن والأدعية النبوية.
4. الابتعاد عن أي طريق يوصل إلى السحرة والدجالين، مهما كانت الظروف.
ومن الأدعية المأثورة التي تطمئن القلب وتدفع الأذى:
“حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”.
“وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”.
“رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ”.
أيها المظلوم، لا تيأس، فربك بالمرصاد، وهو القائل: “وَلَا يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ” [طه: 69]. من استعان بالسحر لإيذاء الناس، فقد ضل الطريق، واتبع خطوات الشيطان، وعاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة. أما من أصابه السحر، فليصبر وليحتسب، وليعلم أن الله ناصره وحافظه، وسيبطل كيد الساحرين كما وعد في كتابه العزيز. فاستعن بالله، وتحصن بذكره، وثق أن ما عند الله خير وأبقى.