عندما يتبرأ الشيطان من الإنسان

بقلم: د. ناصر السلاموني
لقد كان إبليس صريحًا في معاداته للإنسان منذ بداية خلقه، فهو لم يستجب لأمر الله عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم، رغم أنه لم يكن منهم، لكنه كان متواجدًا معهم. ومن وجهة نظره، كان أفضل من آدم، فقد خلقه الله من نار، بينما خلق الإنسان من طين. ولكن لما وجد تعظيم الله لآدم واتخاذه خليفة في الأرض، قرر أن يغويه، فجعله يأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، فكانت أول معصية أظهرت سوآتهما، وغضب الله عليهما. لكن الله ألهم آدم كلمات فتاب عليه.
إبليس لم يرضَ بذلك، فأصر بعد طرده من الجنة على طلب المهلة إلى يوم الدين ليجعل معظم أبناء آدم من الغاوين، إلا عباد الله المخلصين. فاستجاب الله له، لكنه توعّده ومن تبعه بأن يكونوا وقودًا للنار.
بدأت رحلة الصراع بين إبليس وجنوده وبين بني آدم، فهو يريد أن يضلهم ضلالًا بعيدًا، ويزين لهم ما يعملون. فكان أول ما صنعوا الأصنام، بزعم أنها تقربهم إلى الله، ثم انتشرت المعاصي كتناول الخمر، والميسر، والزنا، واللواط، والغش في الكيل والميزان، وعقوق الوالدين، والأمر بالمنكر، حتى أصبح الإنسان يتبع الشيطان في كل خطواته دون أن يشعر.
لكن الله عز وجل بالمرصاد، فلا يهلك القرى بغير إنذار. فأرسل الأنبياء والمرسلين ليكونوا مبشرين ومنذرين:
﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًۭى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ﴾ (البقرة: 38-39).
وحذرنا من اتباع خطوات الشيطان، فهو يأمر بالسوء في والفحشاء، ويعد الإنسان بالوعود الكاذبة.
جعل الله المال والبنين فتنة،و الشيطان استغل ذلك، فصرف الإنسان عن ذكر الله، وجعله يلهث وراء المال ويبخل به، ظنًا أن ذلك ينفعه، وهو لا يعلم أن الشيطان يعده بالفقر ويأمره بالفحشاء، والله يعده مغفرة وفضلًا.
رغم كل ذلك، فإن رحمة الله واسعة، فقد جعل التوبة النصوح مغفرة للذنوب، ﴿إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَـٰلَةٍۢ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍۢ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًۭا﴾ (النساء: 17).
بل فتح الله باب التوبة للمؤمن والمنافق والكافر، فالإسلام يجبّ ما قبله:﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ (النساء: 48).
ولكن هل استجاب الإنسان لهذا النداء؟
مع الأسف، انحازت الغالبية للشيطان، رغم أن كيده ضعيف:
﴿إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًۭا﴾ (النساء: 76).
فانتشر السحر والشعوذة، وأكل الربا، والرشوة، والخيانة، والتطفيف في الميزان، والسرقة، وشرب الخمر، وارتكاب الفواحش، وكل ما نهى الله عنه. ومع ذلك، ما زال الشيطان يزين لهم أعمالهم حتى لحظة الموت.
وما ادراك حال الإنسان لحظة موته، حيث يأتي ملك الموت ليقبض الأرواح، فيُكرم المؤمن، ويُهان الفاسق:
﴿تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ﴾ (محمد: 27).
أما الصالحون، فيكونون في رحمة الله:
﴿تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 32).
وفى قبره تبدأ رحلة الإنسان البرزخية والتى عبر عنها القرآن الكريم بالرغم من طولها بأنها زيارة ( حتى زرتم المقابر)، فيرى ويدرك مصيره،.
وفى النفخة الثانية تخرج الأرض اثقالها من القبور والأحداث وتبدأ رحلة الحساب، و يُؤتى كل فرد كتابه:
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًۭا يَسِيرًۭا وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ مَسْرُورًۭا ۝ وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهْرِهِۦ فَسَوْفَ يَدْعُوا۟ ثُبُورًۭا وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا﴾ (الانشقاق: 7-12).
ويصاب الكافر بالحسرة بعد أن وجد نفسه وحيدا ذليلا وحينها يتمنى أن يكون والحيوانات فيقول ( يا ليتني كنت ترابا)، ويتبرأ الشيطان من أتباعه:
﴿وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓا۟ أَنفُسَكُم﴾ (إبراهيم: 22).
نسأل الله أن يجعلنا من عباده المخلصين، وأن ينجينا من فتنة الشيطان ووسوسته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى