خبير أمن قومى: تنمية الموارد الذاتية العشوائية خناجر مسمومة تهدد استقرار المجتمع

أكد المستشار الدكتور طارق منصور، خبير استراتيجات الحرب والأمن القومي، أن العديد من المؤسسات تلجأ إلى تنمية مواردها الذاتية بطرق غير مدروسة، تعتمد بشكل أساسي على زيادة الرسوم المباشرة وغير المباشرة المفروضة على الأفراد والشركات، دون أن يقابل ذلك تحسينات ملموسة في الخدمات العامة. وأوضح أن هذه السياسات تهدف إلى سد العجز المالي الناتج عن سوء الإدارة والفساد المؤسسي، وذلك بالتزامن مع تقليص الدعم على السلع الأساسية مثل الوقود والخبز والكهرباء، دون اتخاذ تدابير لحماية الفئات الأكثر تضررًا.

وأشار منصور إلى أن التطبيق الخاطئ لهذه الإجراءات أدى إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، حيث تحمّل المواطن والكيانات الصغيرة العبء الأكبر من هذه السياسات التي يفترض أنها تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي. وأكد أن غياب الرقابة والمحاسبة أدى إلى خلق دائرة استغلال متواصلة، حيث تعمد مختلف الفئات المهنية إلى رفع أسعار خدماتها لتعويض الأعباء المالية المتزايدة.

دوامة الاستغلال الاقتصادي

وأوضح منصور أن هذه الأزمة انعكست على مختلف القطاعات، حيث لجأ الأطباء والمستشفيات والمعامل الطبية إلى رفع تكاليف الخدمات على المدرسين والمهندسين والمحامين والتجار، مما دفع المدرسين بدورهم إلى زيادة أسعار الدروس الخصوصية لتعويض هذه التكاليف. وامتد التأثير إلى المحامين والمهندسين والتجار والموظفين، الذين رفعوا أسعار خدماتهم وسلعهم، مما أدى إلى استمرار الدائرة المغلقة للاستغلال الاقتصادي، حيث يصبح كل فرد في المجتمع متضررًا في نهاية المطاف.

وأضاف أن غياب المحاسبة المالية والإدارية، إلى جانب استمرار الإنفاق الحكومي على مشروعات غير ذات أولوية، أدى إلى تزايد الاعتماد على الاستيراد بدلاً من دعم الصناعات المحلية والزراعة. كما أشار إلى خطورة بيع الأصول العامة الحيوية دون وجود رؤية استراتيجية واضحة، ما يهدد الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.

التضخم وتراجع مستوى المعيشة

وأكد منصور أن استمرار هذه السياسات يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، مما يضغط على القطاع الخاص ويدفع العديد من الشركات إلى تقليل العمالة أو الإغلاق تمامًا. ونتيجة لذلك، ترتفع الأسعار بشكل مستمر، في حين تبقى الدخول ثابتة، مما يزيد من الأعباء على المواطن العادي، الذي يتحمل في النهاية تكلفة سوء الإدارة الاقتصادية.

وشدد على أن عدم توفير بيئة اجتماعية واقتصادية مستقرة يدفع العقول المتميزة والمستثمرين إلى البحث عن فرص في الخارج، مما يؤدي إلى فقدان رأس المال البشري والمالي، ويخلق خللًا مجتمعيًا خطيرًا. وأوضح أن الشعور المتزايد بين المواطنين بأنهم وحدهم من يتحملون عبء الإصلاحات الاقتصادية دون أن ينعكس ذلك إيجابيًا على مستوى معيشتهم، يؤدي إلى تصاعد الإحباط والسخط الشعبي، وهو ما قد يتسبب في اضطرابات اجتماعية.

رؤية استراتيجية لتصحيح المسار

واقترح منصور عدة إجراءات لمعالجة هذه الأوضاع، أبرزها:

إعادة تقييم الرسوم بحيث تكون أكثر عدالة، مع التوسع في تنمية الموارد الذاتية عبر استثمارات حقيقية بدلًا من الاعتماد فقط على فرض الرسوم.

فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة لتخفيف الأعباء على الفئات الفقيرة.

تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد لضمان توجيه الأموال المحصلة من الضرائب والرسوم لتحسين الخدمات العامة.

توجيه الموارد نحو التنمية المستدامة بدلًا من الحلول المؤقتة، مثل بيع الأصول العامة.

دعم القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة لتعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

تفعيل سياسات حماية اجتماعية للتخفيف من آثار تقليص الدعم على الفئات الأكثر ضعفًا.

الإصلاح الاقتصادي بين الضرورة وسوء التطبيق

واختتم منصور تصريحاته بالتأكيد على أن تنمية الموارد الذاتية ليست خيارًا، بل ضرورة لبناء اقتصاد قوي ومستدام. إلا أن سوء تطبيق هذه السياسات قد يؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من تعقيد الأزمات بدلًا من حلها. وأوضح أن الحل يكمن في تبني سياسات اقتصادية متوازنة تحقق النمو دون تحميل المواطن أعباء تفوق قدرته على التحمل، مشددًا على أن نجاح أي إصلاح اقتصادي يعتمد في النهاية على مدى قدرة المجتمع على التكيف معه والاستفادة منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى