التأثيرات النفسية للصيام على الوظائف المعرفية

بقلم الدكتورة:ولاء بسيوني
للصيام تأثيرات فسيولوجية ونفسية متعددة، تشمل تغيرات في الوظائف المعرفية مثل التركيز، الذاكرة، والحالة النفسية بشكل عام. من منظور علمي، عمل الدماغ. يرتبط الصيام بشكل وثيق بتنظيم مستويات الطاقة في الجسم، وتفاعلات الهرمونات، وأثرها على العمليات العصبية والمعرفية.
التأثيرات على التركيز والانتباه (تأثير التوازن الغذائي):
أثناء الصيام، ينخفض مستوى السكر في الدم، مما يؤدي إلى تغيرات في قدرة الدماغ على العمل بكفاءة. الذي يعتمد بشكل رئيسي على الجلوكوز كمصدر للطاقة، وأي انخفاض حاد في مستويات السكر في الدم قد يؤدي إلى شعور بالتشتت وضعف التركيز. ومع ذلك، الصيام يؤدي إلى تحسينات على المدى الطويل في القدرات المعرفية من خلال زيادة إنتاج البروتينات العصبية مثل BDNF (Brain-Derived Neurotrophic Factor)، التي تساهم في نمو الخلايا العصبية وتحسين الأداء العقلي. يساهم البروتين BDNF في تعزيز المرونة العصبية، مما يساعد الدماغ على التكيف مع التحديات البيئية والأيضية.
عند تناول وجبات غذائية متوازنة خلال فترات الإفطار، خاصة التي تحتوي على الكربوهيدرات المعقدة مثل الحبوب الكاملة والبروتينات، يتم الحفاظ على مستويات الجلوكوز في الدم بشكل مستقر، مما يساهم في تحسين التركيز والانتباه. من جهة أخرى، الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي المرتفع (مثل السكريات البسيطة) يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في مستويات السكر، مما قد يضعف التركيز بشكل مؤقت.
التأثيرات على الذاكرة (تحفيز الخلايا العصبية) :
الأبحاث العلمية تشير إلى أن الصيام يمكن أن يحسن الذاكرة على المدى الطويل. هذا التحسن ناتج عن التولد العصبي، حيث يحفز الصيام عملية تجديد الخلايا العصبية في منطقه الهيبوكامبوس المسؤول عن الذاكرة والتعلم. كما أن الصيام يعزز إنتاج البروتينات العصبية مثل BDNF، مما يعزز قدرة الدماغ على تخزين واسترجاع المعلومات.
أيضًا، الصيام يمكن أن يقلل من الالتهابات ويعزز عملية إزالة السموم الخلوية من خلال آلية تسمى “الالتهام الذاتي” (Autophagy)، والتي تساهم في تحسين الصحة العصبية والحفاظ على الوظائف المعرفية على المدى البعيد. ولكن يمكن أن يؤدي الصيام الطويل الأمد بدون تغذية ملائمة إلى تأثيرات سلبية على الذاكرة، خاصة إذا كانت مستويات البروتينات العصبية ضعيفة أو كان الشخص يعاني من نقص غذائي.
التأثيرات على الحالة النفسية (الهرمونات والغذاء):
الصيام لا يقتصر تأثيره على الوظائف المعرفية فقط ، بل يمتد أيضًا إلى التأثيرات النفسية بشكل عام. يرتبط الصيام مع تغيرات في مستويات الهرمونات المسؤولة عن الحالة المزاجية مثل السيروتونين والأندورفين. الصيام يمكن أن يؤدي إلى زيادة إفراز الأندورفين، وهي هرمونات تساهم في تحسين المزاج وتقليل التوتر، مما قد يعزز من الشعور بالرفاهية النفسية.
من الناحية الغذائية، يمكن أن يكون تناول الأحماض الدهنية أوميغا-3 الموجودة في الأسماك الدهنية مثل السلمون، وبذور الكتان، والجوز مفيدًا للصحة النفسية. بالإضافة إلي أن الأحماض الدهنية أوميغا-3 يمكن أن تساعد في تقليل الالتهابات العصبية وتحسين التوازن الهرموني في الدماغ، مما يؤدي إلى تقليل القلق والاكتئاب.
ومع ذلك، قد يؤدي عدم تناول غذاء مناسب أثناء الصيام، خاصة إذا كان النظام الغذائي يحتوي على كميات غير كافية من الفيتامينات والمعادن الأساسية مثل فيتامينات ب، المغنيسيوم، والزنك، إلى تأثيرات سلبية على الصحة النفسية. نقص هذه المغذيات يمكن أن يزيد من مستويات التوتر والقلق ويضعف القدرة على التكيف مع ضغوط الحياة اليومية.
ولذلك، يجب أن يتم الصيام بشكل مدروس مع مراعاة التغذية السليمة لضمان تزويد الجسم بالعناصر الغذائية الضرورية لدعم الدماغ والجهاز العصبي.
يمكن تحسين التأثيرات المعرفية والنفسية للصيام من خلال اتباع نظام غذائي متوازن يحتوي على الكربوهيدرات المعقدة، البروتينات عالية الجودة، الأحماض الدهنية أوميغا-3، بالإضافة إلى الفيتامينات والمعادن الضرورية مثل فيتامينات ب و المغنيسيوم. من خلال هذه الممارسات الغذائية، يمكن للفرد تحقيق أقصى استفادة من الصيام على مستوى الوظائف المعرفية والصحة النفسية.