المحفزات القانونية لتصدير العلامات التجارية السعودية خارج المملكة

بقلم : ياسر بن عبدالعزيز المسعود
مؤسس تقاضي العالمية للمحاماة والاستشارات القانونية
تُشكل العلامة التجارية عنصرًا جوهريًّا في الملكية التجارية؛ إذ تمنح مالكها حقوقًا قانونية كاملة تشمل الاستعمال والاستغلال والتصرف، باعتبارها أصلًا معنويًّا ذا قيمة اقتصادية استثنائية، تتجاوز قيمتها في بعض الحالات مئات الملايين من الدولارات. ويكفي أن نذكر أن العلامة التجارية لشركة (Apple) تُقدر بحوالي 355.1 مليار دولار، بينما تصل قيمة علامة (Google) التجارية إلى 263.4 مليار دولار تقريبًا، مما يؤكد أهميتها كأحد أثمن الأصول غير الملموسة في عالم الأعمال المعاصر (الظفيري، 2022).
ويصاحب الأهمية المتزايدة للعلامات التجارية ارتفاع مضطرد في عدد العلامات المسجلة بالمملكة العربية السعودية، حيث وصلت قيمتها إلى مستويات غير مسبوقة؛ فقد بلغت القيمة الإجمالية لـ 20 علامة تجارية سعودية فقط 139.86 مليار ريال سعودي، مما يعكس القيمة الاقتصادية الاستثنائية لهذه الأصول غير الملموسة. وقد منح هذا التطور أصحاب العلامات التجارية أدوات مالية متعددة، تمكنهم من استغلالها أو التصرف فيها أو رهنها أو تصديرها للتوسع التجاري أو لأي غرض آخر، مما يجعلها أداة ائتمان قوية وذات قيمة استراتيجية في عالم الأعمال المعاصر. (الزهراني، 2022).
ونظرًا لأن العلامات التجارية المشهورة أصبحت مصدرًا مهمًّا للثروة، حيث تصل قيمة بعضها إلى ملايين الدولارات، فقد أصبحت عرضة للاعتداء والتربح غير المشروع، وهذه الأفعال تُحدث أضرارًا جسيمةً بمالك العلامة التجارية ومنشأته، بالإضافة إلى أضرارٍ للمستهلكين والمرخص لهم باستغلال العلامة؛ لذلك، وَضعت الاتفاقياتُ الدولية -مثل: اتفاقيتيْ باريس (1883م)، وحماية الملكية الفكرية “التريبس” (1995)- قواعدَ دولية لحماية هذه العلامات، تشمل: مبدأ المعاملة الوطنية، ومبدأ حق الدولة الأَوْلى بالرعاية، ومعايير شهرة العلامة التجارية المرتبطة بجودة المنتج ونوعيته، والمواد القابلة للحماية. كما تحدد هذه الاتفاقيات الحقوق الممنوحة للعلامات المشهورة، وموقف نظام العلامات التجارية السعودي منها، والمسؤولية القانونية الناشئة عن أفعال التعدي، سواءً كانت عقدية أو تقصيرية، بالإضافة إلى الأساس القانوني لكل مسؤولية، ووجوب التعويض عن الأضرار التي تلحق بحقوق صاحب العلامة، وسبل وقف الاعتداء عليها.
ويُعزى وجود الحماية الدولية للعلامات التجارية إلى المخاطر التي نتجت عن تطبيقٍ ضيقٍ لمبدأ الإقليمية، مما أدى إلى انتشار تقليد السلع والخدمات؛ فبقاء الحماية محصورةً بالحدود الجغرافية للدول سمح للمقلدين بإعادة إنتاج السلع والخدمات دون مساءلة قانونية، مما استدعى حمايةً دوليةً للعلامات المشهورة. وقد تجسّدت هذه الحماية في التخلي عن مبدأ الإقليمية والاتجاه نحو تدويل حماية العلامات التجارية، كما هو منصوص عليه في اتفاقيتي باريس والتريبس.
إضافةً إلى ذلك، يُشكّل مبدأ حظر استخدام العلامة التجارية المشهورة، حتى على فئات منتجاتٍ أو خدماتٍ مغايرة، حجر الزاوية في حماية العلامات التجارية، حيث قررته اتفاقية باريس وطورته الأحكام القضائية لاحقًا؛ فأصبح من المُستقرّ قانونًا حظر استخدام العلامة المشهورة، أو ما يشابهها، أو ما قد يُوقع المستهلكين في خطأ، على منتجات أو خدمات من فئاتٍ مختلفة. ويُعدّ هذا المبدأ حمايةً قويةً ضد سوء النية، ويمنع استغلال جهود أصحاب العلامات المشهورة، ويُقيّد من التعدي عليها بغرض الإثراء غير المشروع.
وقد تميّز النظام السعودي بسابقته في حماية العلامات التجارية المشهورة التي أولى النظام الخليجي الموحد أهميةً كبيرة لحمايتها؛ فقد منع نظام العلامات التجارية السعودي تسجيل أي علامة مطابقة أو مشابهة لتلك العلامات المشهورة، مُميزًا بذلك بين حالتين: الحالة الأولى، أن تكون العلامة المشهورة غير مسجلة في المملكة، وفي هذه الحالة لا يجوز تسجيل علامة مطابقة أو مشابهة لها إلا بشرط أن تكون شائعة الشهرة داخل المملكة. أما الحالة الثانية فتكون العلامة التجارية المشهورة مسجلة في المملكة، وفي هذه الحالة لا يُعتد بأي علامة تجارية أخرى ولا يُقبل تسجيلها، حتى وإن كانت غير مطابقة أو مشابهة للعلامة المشهورة المسجلة. وبهذا الشكل، ضمن النظام السعودي حماية فعالة للعلامات التجارية المشهورة، مما يعزز من حقوق أصحابها ويحد من التنافس غير العادل (الظفيري، 2022).
ونظرًا لتلك الأهمية الكبيرة للعلامة التجارية كونها من أهم الأصول التجارية التي تميز منتجات وخدمات الشركات، فإنها تحظى في المملكة العربية السعودية بحماية قانونية متينة. وتعكس هذه الحماية التزام المملكة بتنظيم استخدام العلامات التجارية، ومنع استخدامها دون إذن مالكها، من خلال أنظمةٍ تضمّ إجراءاتٍ مثل: التسجيل الرسمي، ومراقبة السوق، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين (عقيل، 2021).
ويتم تسجيل العلامات التجارية في المملكة العربية السعودية من خلال المنصة الوطنية (GOV.SA) لدى الهيئة السعودية للملكية الفكرية، مما يمنح أصحابها حقوقًا قانونيةً تمكنهم من مقاضاة منتهكي حقوقهم. ويُعدّ التسجيل دليلًا على الملكية يساعد على تجنب النزاعات، ويمنع استخدام العلامات المقلدة أو المشابهة، مما يحدّ من التزوير والتقليد (المنصة الوطنية، 2024).
وبالإضافة إلى التسجيل المحلي، يمكن تعزيز حماية العلامات التجارية في المملكة العربية السعودية من خلال التسجيل الدولي عبر المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، مما يوفر حمايةً أوسع نطاقًا في العديد من الدول.
كذلك حرصت الهيئة السعودية للملكية الفكرية على تحسين الكفاءة التشغيلية وضمان الوصول إلى العدالة؛ فسعت إلى تأسيس الأمانة العامة للجان الفصل في منازعات الملكية الفكرية، وذلك بهدف تحسين جودة الخدمات المتعلقة بالملكية الفكرية.
وينص نظام المحاكم التجارية في المملكة العربية السعودية على اختصاصها بنظر الدعاوى المتعلقة بأنظمة الملكية الفكرية (المادة 16/6، من نظام المحاكم التجارية، م 511، وتاريخ 1441/8/14ه).
وتكمن أهمية الحماية القانونية للعلامات التجارية في تعزيز ثقة المستهلك وجودة المنتجات، وتوفير بيئة أعمال مستقرة تشجع الاستثمار في المملكة العربية السعودية. كما تحمي هذه الحماية حقوق الملكية الفكرية، وتمنع التلاعب، وتحفز الابتكار والإبداع، وتشجع الاستثمار في البحث والتطوير، وتعزز القدرة التنافسية للمنتجات السعودية في الأسواق المحلية والعالمية، مما يُسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطنيّ إلى الأمام.
ختامًا، تُبرز هذه المقالة أهمية الحماية القانونية القوية للعلامات التجارية السعودية، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، كعامل محفز رئيسي لتصديرها؛ فالتنظيمات المحلية المدعومة باتفاقيات دولية كباريس وتريبس، تضمن حقوق الملكية الفكرية وتُعزز ثقة المستهلكين. هذا بالإضافة إلى الآليات المتاحة للتسجيل المحلي والدولي، والعقوبات الصارمة ضد الانتهاكات، كلها عوامل تُسهم في تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات والخدمات السعودية في الأسواق العالمية، ومن ثَمَّ، فإنّ الاستثمار في حماية العلامات التجارية يُعدّ استثمارًا استراتيجيًّا في الاقتصاد الوطني.