إجتماعات الدورتين فى الصين ٢٠٢٥ والعصر الجديد للدبلوماسية القوية ذات الخصائص الصينية

تحليل الدكتورة/ نادية حلمي
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنى سويف
تدخل الصين موسمها السياسى في عام ٢٠٢٥ مرحلة مهمة، حيث تُعد إجتماعات “الدورتان السنويتان”، الحدث السياسى الأبرز الذى يجذب الإنتباه على المستويين المحلي والدولى. وتُعَد الدورتان السنويتان إجتماعات سنوية للمجلس الوطنى لنواب الشعب واللجنة الوطنية للمؤتمر الإستشارى السياسى للشعب الصينى، وهما أعلى هيئتين تشريعيتين فى البلاد. ويستمر كل منهما لمدة خمس سنوات، حيث تُعقد إجتماعاتهما السنوية بالتوازى تقريباً.
ومع دخول الصين فترة “الدورتين السنويتين”، أصبحت التوقعات بشأن إقتصادها محوراً عالمياً. وتتوقع العديد من وسائل الإعلام الأجنبية أن تستمر الصين في تحديد هدف نمو بنحو ٥% هذا العام. ويعنى هذا الهدف الكثير للعالم الخارجى، وخاصة بالنسبة لدول الجنوب العالمى مثل مصر. وخاصةً دول الجنوب العالمى، وعلى رأسها مصر، التى تتطلع إلى عصر جديد من دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية مع دول الجنوب العالمى، إستناداً إلى فلسفة الحياد والمجتمع ذى المستقبل المشترك للبشرية.
فمنذ توليه السلطة، رسم الرئيس الصينى “شى جين بينغ” الطريق لقيادة التقدم السليم للدبلوماسية الكبرى ذات الخصائص الصينية، مع التركيز على مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وفلسفة الحياد لتحقيق التعاون الشامل والعادل مع جميع الأطراف، وتعزيز إنشاء نموذج للعلاقات يتميز بالتعايش السلمى والإستقرار الشامل والتنمية المتوازنة. يصادف هذا العام الذكرى الحادية عشرة لإقتراح الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. ويعد التعاون بين دول الجنوب العالمى جزءاً لا يتجزأ من دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية. وبإعتبارها عضواً نموذجياً فى الجنوب العالمى، أقامت الصين شراكات إستراتيجية وشراكات إستراتيجية شاملة مع دول الجنوب العالمى. دخلت العلاقات بين الصين ودول الجنوب العالمى عصراً جديداً، حيث تجمع بين إطار إقتصادى قائم على المنفعة المتبادلة، وإطار سياسي قائم على إعادة تشكيل النظام العالمى الحالى نحو مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وفلسفة الحياد لبناء مجتمع دولى يتمتع بالسلام العادل والشامل والمستدام.
وقد ظهر مصطلح “الجنوب العالمى” فى ستينيات القرن العشرين كبديل لمصطلحات مثل “العالم الثالث” و “الدول النامية”، وإستُخدم للتأكيد على إستقلال هذه الدول وتحدى هيمنة الدول الغربية على السياسة والإقتصاد الدوليين. ويُستخدم اليوم للإشارة إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، بما فى ذلك البلدان فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، ولتسليط الضوء على التفاوت العالمى بين الشمال والجنوب.
ولم تخف الصين إستياءها من النظام العالمى الحالى، الذى تصفه بأنه نظام قائم على الهيمنة الغربية ومعاملة الدول الأخرى بمعايير مزدوجة ونظرة متعالية، وتؤكد أن هذا النظام فشل فى حل الأزمات الدولية، مشددة على الحاجة إلى نظام جديد أكثر عدالة وفعالية.
وتشير الصين إلى أن النظام العالمى الحالى “غير عادل ويستبعد مصالح الدول النامية”، على حد وصفها، مستشهدة بالتفاوتات الإقتصادية والتدخلات السياسية وفرض المعايير الغربية على غالبية دول العالم.
وفى السنوات الأخيرة، تصاعدت تصريحات الصين الداعية إلى إعادة تشكيل النظام الدولى بما يتفق مع قيمها ومصالحها، وحل الأزمات الدولية بشكل أكثر عدالة وفعالية. كما أن الولايات المتحدة تدرك ذلك، حيث قال مستشار الأمن القومى الأمريكى “جيك سوليفان” فى سبتمبر ٢٠٢٢، إن “العالم على أعتاب عصر جديد من العلاقات والمنافسة لتحديد شكل النظام العالمى، وإن روابط الدول أصبحت متشابكة أكثر من أى وقت مضى”.
وفى كلمته في المنتدى العالمي بدافوس، أوضح المستشار “سوليفان” أن منافسة شرسة بدأت بعنوان “الحق فى تحديد شكل النظام العالمى الجديد”، وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحشد العالم ليس للتخلى عن النظام الإقتصادى العالمى، بل لتكييفه مع “تحديات اليوم والغد”.
كما أنه فى عام ٢٠٢٣، عقدت الهند قمة مجموعة العشرين فى نيودلهى لمناقشة “صوت الجنوب العالمى”، وتم ذكر “الجنوب العالمى” فى التقرير الصادر عن مؤتمر ميونيخ للأمن بشأن “الجنوب العالمى” عدة مرات متتالية، وعقدت اليابان قمة “الجنوب العالمى”، وخلال قمة مجموعة السبع فى هيروشيما، تمت دعوة بعض “دول الجنوب” خصيصاً للحضور وتم إدراج الجنوب العالمى فى مواضيع القمة. وقد أدت المفاهيم التى أطلقتها دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية إلى قيام دول الجنوب العالمي، التي تتمتع بنفوذ إستراتيجى يغطى ١٣٠ دولة، بتكثيف التفاعلات بين دول الجنوب، كما تتنافس القوى الشمالية المتقدمة أيضاً على قيادة الجنوب العالمى. والتمييز بين الجنوب والشمال ليس جغرافياً، بل في الخطابات السياسية والإقتصادية الفاصلة. ومن منظور سياسى، يشمل ذلك بناء حوكمة عالمية قائمة على مفاهيم العدالة والإنصاف والإصرار على الإستقلال السياسى والقوى العالمية غير المنحازة، وهى القوى العالمية الملتزمة بالمشاركة فى إصلاح وبناء نظام الحوكمة العالمية. هذه المفاهيم هى حجر الزاوية فى دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية، والتي تحدد العلاقات مع دول الجنوب العالمى فى المقام الأول من منظور موقف الجنوب فى المجتمع العالمى ومجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
لقد ساهمت الخطوط العريضة لدبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية ومفاهيمها الجديدة فى تعزيز مفهوم الجنوب العالمى، وخاصةً الدور الكبير الذى تلعبه مبادرة “الحزام والطريق” فى ربط العالم بشبكات برية وبحرية لتعزيز التعاون التجارى والسياسى والثقافى فى سياق “المنفعة المتبادلة”، فضلاً عن الدور القيادى والمسؤول للصين فى قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة، و “دبلوماسية اللقاح الصينية” أثناء تفشى جائحة كوفيد-١٩، وكل هذه مساهمات الخطوط العريضة لدبلوماسية القوى الكبرى فى تعزيز المؤتمرات الدولية لتعزيز الجنوب العالمى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى