«رمضان في مصر حاجة تانية».. «زينة وفانوس ومسحراتي» أبرز عادات المصريين مع شهر الصيام

شهر رمضان المبارك، هو سيد الشهور، فهو شهر مميزً عند المسلمين وله مكانة خاصة عن باقي شهور السنة الهجرية، ففي ليلة القدر من هذا الشهر العظيم نزل القرآن الكريم إلى الدنيا، فضلا عن أنه هو شهر الصوم الذي يعد أحد أركان الإسلام، حيث يمتنع في أيامه المسلمون عن الشراب والطعام مع الابتعاد فيه عن المحرمات من الفجر وحتى غروب الشمس.

ويحتل شهر رمضان مكانة بارزة في عادات وتقاليد المصريين على مر العصور، حيث يستقبلوه بطقوسهم الخاصة واحتفالاتهم التي تعكس تراثهم العريق، كما أنه يشهد مظاهر ومعان تجعله مختلفا عن سائر بلاد الدنيا، ففيه تتغير فيه ملامح الحياة اليومية وإيقاعها بشكل جذري بين المصريين، إذ تمتزج فيه الروحانيات الدينية بمظاهر احتفالية فريدة تنبض بالحياة .

ويتميز الشهر الكريم بالروحانية والتضامن الاجتماعي، وتشهد المدن المصرية نشاطًا كبيرًا خلال الليالي الرمضانية مع التجمعات العائلية والأصدقاء في المنازل والمطاعم، وتظهر العادات والتقاليد المصرية في التحضير لوجبات الإفطار والسحور، مع الاهتمام بالتبادل الاجتماعي والعطاء للفقراء والمحتاجين.

زينة رمضان 

وتبدأ شوارع المحروسة في التحول إلى لوحات فنية مليئة بالألوان والأضواء، حيث تُعلق الزينة الرمضانية في الشوارع وعلى الشرفات، ويتنافس الأطفال في اقتناء الفوانيس المضيئة التي تُعد من أبرز رموز الشهر الفضيل.

وتكتسي المناطق الشعبية بجمال خاص خلال شهر رمضان حيث يُزين الشباب والأطفال الشوارع بالفانونس الملون والزينة الفاخرة، ويشع هذا الإضاءة المبهجة طوال الشهر الكريم، ويتبارى سكان كل شارع في اختيار الألوان والأشكال الجميلة لتجسيد أجواء الفرح والتآخي.

ويقول الدكتور محمد أحمد عبداللطيف أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية والقبطية ومساعد وزير الآثار السابق والعميد الحالي لكلية السياحة والفنادق بجامعة المنصورة ، لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، إن الزينة الرمضانية تعتمد على ألوان متنوعة؛ فمنها ما يأتي بألوان سادة وزاهية، ومنها ما يمزج بين العديد من الألوان المستوحاة من الأقمشة التقليدية مثل الخيامية، كما تتخذ أشكالًا متعددة مثل المثلثات والمربعات وغيرها من التصاميم الزخرفية المميزة.

وحول أصل حكاية زينة رمضان، قال أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية والقبطية إن هذا التقليد الذي تناقلته الأجيال عبر العصور تشير بعض الروايات إلى أن الصحابي الجليل تميم بن أوس الداري كان أول من أرسى فكرة زينة رمضان، حيث اعتاد على إنارة المساجد بالقناديل كل ليلة جمعة، نظرًا لأهمية هذا اليوم عند المسلمين، أما فيما يتعلق بالاحتفال بقدوم شهر رمضان، فتشير روايات تاريخية أخرى إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب هو أول من بادر بتزيين المساجد وإنارتها مع حلول رمضان، وذلك لتوفير الإضاءة اللازمة للمصلين وتمكينهم من أداء الشعائر الدينية خلال الليل.

وأشار إلى أن بعض الروايات تفيد بأن تزيين الشوارع بزينة رمضان بدأ خلال عهد الدولة الطولونية، حين أصدر الخلفاء أوامر بتعليق القناديل في الشوارع والمساجد احتفالًا بالشهر الكريم” ومع مرور الزمن، تطورت تصاميم الزينة الرمضانية، حيث تحولت من الأشكال الهندسية التقليدية مثل المثلثات والمربعات الملونة إلى أشكال أكثر إبداعًا، فباتت تزين بصور شخصيات ارتبطت بذكريات رمضان لدى العديد من الأشخاص، مثل الفنان فؤاد المهندس وبرنامجه “عم فؤاد”، أو الفنانتين نيللي وشريهان اللتين قدمتا فوازير رمضان الشهيرة. كما أصبحت بعض الزينة تحمل صور شخصيات بارزة في مجالات مختلفة، مثل نجم كرة القدم محمد صلاح، الذي يحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي.

ورغم تغير أنماط الزينة بمرور السنوات، إلا أن جوهر هذا التقليد ظل ثابتًا، حيث يجمع الناس على الاحتفاء بروح رمضان عبر الأضواء الملونة والزخارف التي تضفي أجواء البهجة والفرح في مختلف الشوارع والميادين.

فانوس رمضان

تعتبر الفوانيس جزءًا أساسيًا من التقاليد والطقوس الرمضانية المصرية التي ظهرت منذ العصر الفاطمي، وكان يستخدم لإنارة الطرقات ليلا، ولكنه تحول مع مرور الزمن إلى رمز احتفالي يعكس فرحة رمضان، حيث يخرج الأطفال حاملين فوانيس رمضان في ليلة رؤيته احتفالًا بقدومه، ويستمرون كل ليلة حتى ليلة العيد، مرددين عبارات تميز بها المصرين مثل “وحوى يا وحوى، “جبنا الفوانيس أحمر وأخضر”، “حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو”، وغيرها.

وقال الدكتور محمد عبداللطيف، يعد فانوس رمضان من أهم المظاهر التي ارتبطت بأذهان المصريين منذ العصر الفاطمي، وكان يستخدم لإضاءة الطرق في الليل، والمساجد في قاهرة المعز، فأصبح الفانوس مظهرًا من المظاهر التراث للشهر الفضيل منذ عصر الدولة الفاطمية حتى الآن.

وأضاف عبداللطيف أن من أشهر الروايات التاريخية عن أسباب ارتباط الفانوس في مصر بشهر رمضان تلك الرواية التي تحدثت عن استقبال المصريين للخليفة المعزي لدين الله الفاطمي والذي تصادف قدومه مع حلول شهر رمضان، حيث قدم إلى مصر ليلا ، فاستقبله أهلها وهم يحملون المشاعل المغطاة من الجوانب، والتي رجّح البعض أنها كانت اللبنة الأولى والملهمة لفكرة الفانوس المعروف حاليا، مع تطور أشكاله من عصر إلى عصر.

وأوضح أن هناك بعض الروايات التي تشير إلى أن الحاكم بأمر الله لم يكن يسمح للنساء بالخروج من بيوتهن ليلاً إلا في شهر رمضان شرط أن يسبقهن الأطفال حاملين الفوانيس؛ لإضاءة الطريق ولتنبيه الرجال كي يبتعدوا عن طريقهن، موضحا أن فانوس رمضان شهد تطورا كبيرا في صناعته بداية من الفانوس الصفيح بالشمعة داخله، إلى الفانوس الكهربائي بالبطارية، وبالرغم من تغير أشكال الفوانيس، إلا أن عادات المصريين لا تتغير.

وفيما يتعلق بتفسير كلمتي (وحي يا وحوي) قال عبداللطيف إن الموروث الثقافي المصري غني وثري جدا وممتد ورغم اختلاف العصور التاريخية أو مرور عقائد كثيرة على مصر إلا أن هذا الموروث امتد واستمر حتى الآن، وأن التفسير الأقرب لكلمتي (وحوي يا وحوي) بحسب الروايات المتداولة فإنها مرتبطة باسم الملكة ياح حتب أم الملك أحمس والتي كان لها دور في طرد الهكسوس من مصر، وأن الشعب المصري كان يحبها وتلقى ترحابا كبيرا وكان من اسمها ياحا ياحا أو تعيش تعيش أو أقبلت.

وأضاف وفي اللهجة القبطية معنى “وحوي” أقبل أو جاء وياحا معناها الهلال أو القمر فبالتالي معنها إقبال الهلال أو القمر، وفي العصور الإسلامية كانت تشير إلى انتهاء شهر شعبان وقدوم شهر رمضان.

فانوس رمضان

 

رؤية الهلال

وتعد رؤية الهلال والاحتفالات المصاحبة لها جزءا أصيلا من الطقوس التي تميز الشهر المبارك ، فبعد أن يصل الخبر اليقين لرؤية القمر (الهلال) إلى محكمة القاضي، ينقسم الجنود والمحتشدون فرقاً عديدة، ويعود فريق منهم إلى القلعة بينما تطوف الفرق الأخرى في أحياء مختلفة في المدينة ويهتفون (يا أتباع أفضل خلق الله! صوموا، صوموا”) .

ويقول أستاذ الآثار والحضارة الإسلامية والقبطية الدكتور محمد عبداللطيف “إذا لم يروا القمر في تلك الليلة، يصيح المنادي (غدا شعبان، لا صيام، لا صيام)، ويمضي المصريون وقتاً كبيراً في تلك الليلة يأكلون ويشربون ويدخّنون، وترتسم البهجة على وجوههم كما لو كانوا تحرروا من شقاء يوم صيام”.

رؤية الهلال

 

المسحراتي

يعتبر المسحراتي أحد أشهر الطقوس الرمضانية المصرية، وتبدأ وظيفته مع أول ليلة من ليالي رمضان، حيث يقوم بالمرور على بيوت الحي الخاص به ممسكًا بيده طبلة، وباليد الأخرى عصا صغيرة يضرب بها على الطبلة مناديًا على الناس بأسمائهم ليوقظهم لتناول السحور، ومن أهم عبارات المسحراتي وأشهرها، والتي لازالت عالقة في أذهان الناس: “اصحى يا نايم وحد الدايم، رمضان كريم”.

وأشار إلى أن قصة المسحراتي في مصر بدأت منذ ما يقرب من 12 قرنا مضت، وتحديدًا عام 853 ميلادية، انتقلت مهمة المسحر إلي مصر وكان والي مصر العباسي، إسحاق بن عقبة، أول من طاف شوارع القاهرة، ليلًا في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، فقد كان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي الناس بالسحور.

وأوضح أنه في عصر الدولة الفاطمية، أمر الحاكم بأمر الله، الناس أن يناموا مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، حتي تم تعيين رجل للقيام بتلك المهة، أطلفوا عليم اسم “المسحراتى”، كان يدق الأبواب بعصًا يحملها قائلاً: “يا أهل الله قوموا تسحروا”.

وقال :” كادت مهنة المسحراتي أن تندثر في بلاد المحروسة إلى أن جاء العصر المملوكي، وتحديدًا في عهد السلطان المملوكي، الظاهر بيبرس، و الذي عمل علي احيائها كتراث اسلامي، ولتحقيق ذلك قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على أبواب البيوت، لإيقاظ أهلها للسحور”.

المسحراتي

 

مدفع الإفطار

يعتبر مدفع الإفطار إحدى العلامات المميزة لشهر رمضان، ومن أهم الطقوس الرمضانية المصرية التي اعتاد عليها المصريون، حيث يخبرهم بميعاد السحور ثم يعود ليخبرهم بميعاد الإفطار.

ومن شهرة مدفع الإفطار في شهر رمضان، بدأ الاطفال يصنعون مدفع رمضان من الورق، ويشترون المفرقعات (البُمب) ويضربونه عند أذان المغرب مرددين العبارة الشهيرة الخاصة به”:مدفع الافطار، اضرب”.

وقال الدكتور محمد عبداللطيف مدفع رمضان هو جهاز يستخدم لإطلاق صوت قوي عند غروب الشمس، للإعلان عن موعد الإفطار في شهر رمضان. في بعض البلدان، كان يستخدم أيضاً عند وقت السحور، في إشارة إلى بداية الصيام.

وأضاف يُعتقد أن هذه العادة بدأت في مصر خلال العصر المملوكي وفي العام 1479 ميلادي، يقال إن أحد السلاطين المماليك، السلطان خشقدم، أمر بتجربة مدفع جديد داخل قلعة القاهرة عند غروب الشمس في أحد أيام رمضان. وكان المدفع يُطلق من القلعة ليُسمع في أرجاء المدينة، وقد أُعجب السكان بهذا الصوت، وظنوا أنه إشارة إلى موعد الإفطار.

وأكد انتشار هذه العادة بسرعة في مختلف المدن المصرية، واعتبرت علامة فارقة في شهر رمضان وسرعان ما انتقلت الفكرة إلى باقي الدول العربية والإسلامية. بعض البلدان قامت بتطويرها، حيث أصبح المدفع جزءاً من طقوس رمضان في الشوارع، ليجمع الناس معًا، ويساعدهم على تحديد موعد الإفطار بدقة.

مدفع الإفطار

 

إفطار اليوم الأول

يعتبر لم شمل العائلة على مائدة إفطار واحدة في منزل الأسرة الكبير من أهم ملامح شهر رمضان المبارك في مصر، حيث يبدأ أفراد العائلة مع أذان المغرب بتناول المشروب الرمضاني (الخشاف)، وهو عبارة عن التمر مع الماء والسكر والمكسرات، ثم بعدها يبدأون في تناول طعام الإفطار، وبعدها الحلوى المميزة لشهر رمضان مثل الكنافة والقطايف.

إفطار اليوم الأول

 

صلاة التراويح

تعتبر صلاة التراويح من أهم الطقوس الرمضانية المصرية، وهي من المشاهد الرائعة عند المصريين حيث تمتلئ ساحات المساجد الداخلية والخارجية بالمصليين في جميع الأنحاء، والجدير بالذكر أن مسجد عمرو بن العاص وهو أول مسجد بنى في مصر، هو الأوفر حظًا حيث يمتلئ المسجد بالمصلين طوال ليالي رمضان، ويصل إلى ذروته في ليلة القدر، حيث قدر عدد المصلين في المسجد قرابة النصف مليون مصلي.

صلاة التراويح

 

كنافة رمضان

لا يخلو منزل في مصر في أول يوم رمضان من الحلويات الشرقية، خاصة الكنافة والقطايف ويتسابق البائعون على عمل الكنافة والقطايف في الشوارع وأمام المحلات طوال الشهر الكريم وتحرص الأسر على شرائها وتصنيعها في المنزل حيث يلتف الأطفال حول الأم في انتظار الانتهاء من صينية الكنافة وتحمير القطائف وغمسها في العسل لالتقطاها وتناولها وهى ساخنة، كما تقوم الكثير من الأسر بعمل حلويات شرقية متنوعة لتقديمها للضيوف ولأبنائها عقب الصيام.

وقال الدكتور محمد عبداللطيف، تشير بعض الروايات إلى إن صانعي الحلويات في الشام هم من اخترعوها وابتكروها وقدموها خصيصًا إلى معاوية بن أبي سفيان، وهو أول خلفاء الدولة الأموية، كطعام للسحور، لتمنع عنه الجوع الذي كان يشعر به في نهاررمضان، فقد كان معاوية يحب الطعام، فشكا إلى طبيبه من الجوع الذي يلقاه في الصيام، فوصف له الطبيب الكنافة لتمنع عنه الجوع.

وأشار إلى أن هذه الصناعة يمتاز بها أهل الشام (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين)، منذ قديم الأزل وحتى الآن وأصبحت لا تخلو منها مائدة في رمضان.

كنافة رمضان

 

سحور أول يوم رمضان

سحور أول يوم رمضان يشكل مناسبة خاصة حيث تتجمع الأسرة بأكملها، ويشارك الأطفال والشباب في السهر، حتى الصغار الذين لا يصومون، وتتسم مائدة السحور بتنوعها، مع تضمين أطباق مثل الفول والبيض والبطاطس، وغالبًا يتم تناول اللبن والخيار والموز لمواجهة العطش في أول أيام الصيام.

السحور

 

تنظيف المنازل وتزيينها

تنشغل ربات البيوت في تزيين منازلهن وتنظيفها بشكل خاص أول أيام رمضان، حيث يتم تعليق فوانيس وتزيين البلكونات داخليًا، والأطفال يتنافسون في تزيين غرفهم بأضواء وفوانيس، ويضعونها في أماكن مرئية للجميع، حيث يحرص كل طفل على امتلاك فانوسه الخاص تمهيدًا للاستمتاع به.

تزيين المنازل

 

طبق الفول الأصيل

يقوم المصريون بشراء الفول المدمس بعد صلاة العشاء، استعدادًا لتقديمه في وجبة السحور خلال شهر رمضان، وتشهد المطاعم أو عربات الفول التي تجوب الشوارع ليلا ازدحاما كبيرا من المصريين لشراء فول السحور طوال الشهر الكريم، حيث يعد الوجبة الأساسية للسحور.

الفول المدمس

 

الخيامية في مصر

ومن أبرز مظاهر الاحتفال في مصر الخيامية.. تنتشر بألوانها المبهجة أغطية “الخيامية” في المنازل المصرية استعدادًا لاستقبال شهر رمضان المبارك، وتلك الأغطية ومنها أيضًا الوسائد تمنح الأجواء طابعًا تقليديًا خاصًا، وتشكل نتاج حرفة تعود إلى أزمنة قديمة في مصر، حيث يعود أصل حرفة الخيامية إلى صناعة الخيام للجيوش المحاربة.

أعمال الخيامية في رمضان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى