اصطفاف في مصر لمواجهة «خطة ترامب» في غزة

أمام إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تهجير سكان غزة، ونقل عدد منهم إلى الأراضي المصرية، توارت هوامش الخلافات في القاهرة، لصياغة متن متماسك عنوانه “نصرة القطاع”.
وطفت قضية غزة على سطح المجال العام في مصر، وسط إشادة من المجتمع المدني والنقابات المهنية الرئيسية بالأداء السياسي للسلطات المصرية تجاه المقترح الأمريكي.
وكان ترامب قد صدم الرأي العام الإقليمي والدولي بالحديث عن رغبته في السيطرة على قطاع غزة “لأمدٍ طويل”، وتهجير سكانه إلى مصر والأردن ودول أخرى، من أجل بناء مشروع سياحي على أراضيه.
وقوبل المقترح الأمريكي برفض مصري أردني حاسم، وتعهدت القاهرة بالإعلان عن خطة عربية لإعادة الإعمار في غزة دون تهجير الفلسطينيين.
وكانت الحرب التي شنتها إسرائيل على حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد أدت إلى دمار غير مسبوق في القطاع، البالغ عدد سكانه أكثر من مليوني نسمة.
تحركات على الأرض
وفي القاهرة، بادرت نقابة الصحفيين بتحركات عملية، شملت زيارة السفارة الأمريكية، وتنظيم قوافل دعم لغزة، وتعزيز التعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين.
كما أطلقت نقابة المهندسين مخططًا استراتيجيًا لإعمار غزة، يضمن عدم تهجير الفلسطينيين، فيما برز دور المجتمع المدني من خلال “وثيقة القاهرة لرفض التهجير”، التي جمعت توقيعات واسعة وأصبحت أداة ضغط لمناهضة أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية.
وقال نقيب الصحفيين المصريين، خالد البلشي، إن نقابة الصحفيين كانت أول من بادر بالتحرك والرد على التغيرات الأخيرة، سواء من خلال إصدار بيان رسمي أو بدعوة النقابات المهنية للاجتماع وإصدار بيان موحد يعبر عن موقف مشترك.
وأوضح البلشي، أن النقابة قامت بتحركات عملية، من بينها التوجه نحو السفارة الأمريكية للتعبير عن رفضها الواضح للمواقف المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى إطلاق مجموعة من الإجراءات التي أثمرت عن استجابات جزئية تتعلق بخطوات داعمة للعمل الصحفي.
وأضاف نقيب الصحفيين أن النقابة تعمل حاليًا على تنظيم قافلة لدعم قطاع غزة، فضلًا عن الاتفاق مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين لدعم الصحفيين الفلسطينيين المتواجدين في مصر.
وشدد البلشي على أن النقابة مستمرة في التصدي لمحاولات التهجير من خلال أدواتها الصحفية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين والنقابات العربية لدعم القضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن تحرك نقابة الصحفيين حظي بتجاوب واسع من عدد كبير من النقابات المهنية، حيث تم تنظيم مؤتمر موسع داخل مقر النقابة، شاركت فيه النقابات المهنية لإعلان موقف موحد وعرض الخطوات القادمة.
وتابع: “كما أُتيح لكل نقابة التنسيق لتنفيذ دورها وفق اختصاصاتها المختلفة، سواء في المجالات الطبية من خلال نقابة الأطباء أو الهندسية عبر نقابة المهندسين”، مؤكدًا أن هذا الحراك النقابي سيستمر، وأن التنسيق المشترك بين النقابات المهنية سيظل متواصلًا لضمان وحدة الموقف والعمل الجماعي الفعّال في دعم القضية الفلسطينية”.
مخطط للإعمار
من جانبه، قال نقيب المهندسين، طارق النبراوي، إن النقابة بدأت سريعًا في دعم الجهود المصرية لرفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم عبر تشكيل لجنة من كبار خبراء المهندسين المعماريين لوضع خطة لإعمار مدينة غزة.
وأضاف النبراوي، أن الاجتماع الأول للجنة رسَّخ قاعدة إعادة الإعمار دون الحاجة إلى أي شكل من أشكال التهجير، لافتًا إلى أن الاستراتيجية العامة لإعادة الإعمار وُضعت طبقًا للمعايير الفنية العالمية (التخطيطية – الهندسية – التنفيذية) المعنية بتحقيق أعلى كفاءة وفاعلية لعملية إعادة الإعمار، والتي سوف تُشكِّل الإطار الاستراتيجي المتكامل لقطاعات ومراحل العمل التفصيلية التالية، وذلك في إطار تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية المستدامة، وكذا تقديم الدعم الفني لأجهزة الدولة المصرية المختلفة في تحقيق الاستجابة السريعة للاحتياجات الملحة لإعادة إعمار قطاع غزة.
وبين أن ذلك سيتم عبر مراحل عمل متتالية، وفي إطار الأولويات المختلفة والمرتبطة بتخطيط وتطوير البنية العمرانية التي تم تدميرها بالكامل، وهو ما يُشكِّل أهمية حيوية للاعتبارات الجيوستراتيجية ومتطلبات الأمن القومي المصري.
وأكمل أن الجلسة القادمة، خلال الأيام القليلة المقبلة، سيتم فيها وضع خطط المباني والإنشاءات والبنية التحتية للمدينة، لافتًا إلى أنه فور تدبير التمويل اللازم، لن تتخطى مدة إعمار المدينة، على أحدث طرق البناء، من 3 إلى 5 سنوات دون تهجير المواطنين.
وثيقة شعبية
بدوره، أكد رئيس مجلس أمناء مجلس الشباب المصري، الدكتور محمد ممدوح، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، على الدور المحوري الذي يقوم به المجتمع المدني في رفض عمليات التهجير، مشيرًا إلى أن أحدث هذه التحركات تمثَّل في إطلاق “وثيقة القاهرة لرفض التهجير”، التي جمعت توقيعات مئات من منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب السياسية ورموز الفكر والرأي والفن والإعلام من مختلف أطياف الدولة المصرية.
وأوضح ممدوح،، أن هذه الوثيقة تعبر بوضوح عن نبض الشارع المصري، الرافض لأي محاولات تهجير، والداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مشددًا على أن ما نشهده من تحركات يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن تصريحات القيادة السياسية المصرية بشأن هذا الملف ليست مجرد تصريحات أحادية الجانب، بل هي انعكاس صادق لإرادة الشارع المصري، الذي يظهر وحدة وتلاحمًا كاملًا في دعمه للقضية الفلسطينية.
وأشار إلى أن العمل جارٍ حاليًا على ترجمة “وثيقة القاهرة لرفض التهجير”، استعدادًا لإرسالها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك استجابةً لدعوة المحكمة بضرورة تفاعل المجتمع المدني ومساندته لدورها في هذا الملف المهم، مضيفًا أن الوثيقة سيتم إرسالها أيضًا إلى كافة المقررين الخاصين التابعين للهيئات الأممية المعنية، بالإضافة إلى تعميمها على عدد من المنظمات الدولية، بهدف خلق حالة من الرأي العام العالمي وحشد دعم المجتمع الدولي لرفض عمليات التهجير، والتأكيد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وشدد على أهمية هذه التحركات في إيصال صوت الشارع المصري إلى المنصات الدولية، بما يعزز من الجهود الرامية إلى دعم القضية الفلسطينية ومناهضة التهجير القسري بكل أشكاله.