اليهود بين المعصية والتيه ونقض العهود: قراءة تحليلية في ضوء النصوص الدينية

بقلم ناصر السلاموني
يعد تاريخ بني إسرائيل نموذجًا متكررًا للعصيان والجحود، رغم ما أنعم الله عليهم من النعم والآيات الدالة على وحدانيته. وقد وثّق القرآن الكريم هذا السلوك في مواضع عدة، مبينًا مواقفهم تجاه الأنبياء والرسل، وما ترتب على ذلك من عقوبات إلهية. ويهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على أبرز مظاهر معصيتهم، والتي شملت رفضهم دخول الأرض المقدسة، ونقضهم العهود، واستحلالهم أموال الآخرين، إضافة إلى العقوبات التي لحقت بهم عبر التاريخ، وصولًا إلى الوعد الإلهي بجمعهم في مرحلة تاريخية محددة.
أولًا: رفض بني إسرائيل دخول الأرض المقدسة والتيه في الصحراء
بعد أن نجّاهم الله من بطش فرعون، أمرهم بالدخول إلى الأرض المقدسة التي وعدهم بها، إلا أنهم رفضوا الامتثال، وأظهروا خوفهم من سكانها، وسخروا من نبيهم موسى عليه السلام بقولهم:
> “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون” (المائدة: 24).
وقد ترتب على هذا التمرد الإلهي عقوبة التيه في الصحراء لمدة أربعين عامًا، فلم يُكتب لهذا الجيل العاصي دخول الأرض المقدسة، بل تأجل ذلك حتى نشأت أجيال جديدة أكثر امتثالًا لأوامر الله.
ثانيًا: نقض العهود وقتل الأنبياء
يُعد نقض العهود من السمات المتكررة في تاريخ بني إسرائيل، حيث تنكّروا لميثاقهم مع الله ورفضوا الالتزام بتعاليم أنبيائهم. وقد وثّق القرآن هذا السلوك في قوله تعالى:
> “كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون” (المائدة: 70).
وقد أقدموا بالفعل على قتل عدد من أنبياء الله، مثل نبي الله (زكريا)، وحاولوا قتل (عيسى) عليه السلام، كما تآمروا لاحقًا على النبي (محمد )ﷺ، مما يعكس نهجهم المستمر في محاربة الحق والأنبياء.
ثالثًا: استحلال أموال الآخرين
يعتقد بنو إسرائيل أنهم شعب الله المختار، وأنهم مخوّلون باستباحة أموال غيرهم، وقد ورد ذلك في وصفهم في القرآن الكريم:
> “ليس علينا في الأميين سبيل” (آل عمران: 75).
وقد انعكس هذا المفهوم في ممارساتهم عبر التاريخ، حيث لجأوا إلى أساليب اقتصادية متعددة، من بينها (الربا) و(الاحتكار)، للاستيلاء على مقدرات الشعوب الأخرى، وخصوصًا العرب والمسلمين.
رابعًا: عبادة( العجل )رغم المعجزات الإلهيةعلى الرغم من أن الله أنقذهم من فرعون وأظهر لهم العديد من المعجزات، إلا أنهم انحرفوا عن التوحيد وعبدوا (العجل الذهبي)، كما ورد في قوله تعالى:
> “واتخذ قوم موسى من بعده من حُليِّهم عجلًا جسدًا له خوار” (الأعراف: 148).
وهذا السلوك يعكس طبيعة بني إسرائيل المتقلبة، حيث كانوا سريعًا ما ينتكسون إلى الكفر بعد كل نعمة يمنحها الله لهم.
خامسًا: جمعهم في الأرض المقدسة بوعد إلهي
رغم تفرق بني إسرائيل في أنحاء الأرض عبر التاريخ، إلا أن القرآن الكريم أشار إلى وعد إلهي بجمعهم في وقت معين، في سياق عقابي لما اقترفوه من فساد، حيث قال الله تعالى:
> “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين… فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا” (الإسراء: 4-7).
ويفسّر بعض المفسرين هذا الوعد بأنه إشارة إلى تجمعهم في( فلسطين )في العصر الحديث، كجزء من تحقق السنن الإلهية في العقاب بعد الإفساد.
وختاما نقول إن السلوكيات التي اتبعها بنو إسرائيل عبر التاريخ، من رفض لأوامر الله، ونقض للعهود، وقتل للأنبياء، واستحلال لحقوق الآخرين، أدت إلى عقوبات إلهية متكررة، من التيه إلى الشتات، ثم إلى الجمع بوعد إلهي قد يكون مقدمة لعقاب جديد. وبهذا يتجلى نموذج تاريخي يعكس سنة إلهية ثابتة تجاه الأمم التي تفسد في الأرض، وتكفر بنعم الله، وتحارب الحق.