د. ناصر السلاموني يكتب: ترامب بين غثاء السيل والقوة المالية حاليا والانتفاضة المزلزلة مستقبلا

السياسة الأمريكية، رغم مظهرها الديمقراطي، تخضع بشكل كبير للمال والنفوذ السياسي، حيث تلعب اللوبيات المالية دورًا رئيسيًا في توجيه القرارات داخل واشنطن. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الرئيس( دونالد ترامب)، الذي يُعد من أكثر الرؤساء الأمريكيين انحيازًا لإسرائيل، بفضل الدعم الهائل الذي تلقاه من المليارديرات اليهود، .

ولكن لماذا أبدى ترامب هذا الولاء غير المسبوق لإسرائيل؟ ولماذا بدا أكثر حماسة وحرصًا على خدمتها من بعض زعمائها أنفسهم؟ ولماذا ظهر بموقف الخادم المطيع لنتنياهو، وهو يسحب له الكرسي كما لو كان نادلًا في مطعم، ويستقبله عند الباب مع زوجته بنظرات الإعجاب والانبهار؟

لم يكن هذا الانحياز وليد اللحظة، بل كان مرتّبًا مسبقًا، ليس فقط قبل لقاء نتنياهو، بل قبل انتخابه رئيسًا. لقد أراد ترامب أن يبعث برسالة واضحة للعالم، خصوصًا للفلسطينيين، بأنه لن يتوانى عن دعم إسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار المنطقة.

فقد حصل ترامب على دعم مالي هائل من رجال الأعمال اليهود، وخاصة( شيلدون أديلسون)، الذي تبرع بأكثر من 90 مليون دولار لحملة ترامب الأولى في 2020، بعد أن قدم له 25 مليون دولار في 2016. ولم يكن( أديلسون) الوحيد، بل شارك العديد من مليارديرات (وول ستريت) في تمويل ترامب لضمان تبنيه سياسات موالية لإسرائيل.

ولعبت إيباك (AIPAC)، وهي أقوى لوبي داعم لإسرائيل في أمريكا، دورًا محوريًا في الضغط على إدارة (ترامب) لضمان تنفيذ سياسات تخدم إسرائيل، كما دعم رجال الأعمال اليهود مشاريع اقتصادية( أمريكية – إسرائيلية) مشتركة عززت المصالح بين الطرفين.

بفضل هذا الدعم المالي والسياسي، اتخذ (ترامب )قرارات غير مسبوقة في فترة ولايته الأولى لصالح إسرائيل، أبرزها:
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (2018)، في خطوة طالما سعى اللوبي اليهودي لتحقيقها.
الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان (2019)، مما وفر لها انتصارًا استراتيجيًا.
إيقاف المساعدات لوكالة (الأونروا)، ما زاد من معاناة اللاجئين الفلسطينيين وأضعف موقفهم الدولي.
استمر النفوذ بعد وفاة (شيلدون أديلسون)حيث مارست زوجته (ميريام أديلسون) ممارسة النفوذ السياسي، والضغط على الساسة الأمريكيين لضمان استمرار سياسات (ترامب )، لضمان تحقيق الأجندة الإسرائيلية.

ليس المال اليهودى هو الاعب الأساسى فى أمريكا ولكن يوجد المال العربي إلا أنه لم يؤثر لأن بعض الدول العربية، خاصة الخليجية، استثمرته في علاقات قوية مع إدارة (ترامب) عبر صفقات السلاح والتعاون الاقتصادي، مما جعلها لم تؤثر بشكل مباشر على قرارات( ترامب) التي اتخذها لصالح إسرائيل، بل للعجب ساهمت في تمرير اتفاقيات التطبيع مثل اتفاقيات( أبراهام)، التي فتحت الباب أمام تطبيع علني بين إسرائيل وبعض الدول العربية.

فالمال اليهودي لم يكن مجرد استثمار اقتصادي، بل كان أداة ضغط سياسي مباشر على الإدارة الأمريكية.
أما المال العربي اتجه إلى المصالح التجارية والعسكرية، دون أن يكون له أدنى تأثير سياسي حقيقي على القرارات الأمريكية.

وهذا سبب خضوع ترامب لإسرائيل لحاجته إلى التمويل والدعم الانتخابي فقد كان (ترامب )بحاجة إلى قاعدة انتخابية قوية، ولم يكن هناك حليف أقوى من اللوبي اليهودي لضمان إعادة انتخابه.
وأراد أيضًا كسب تأييد اليمين المسيحي المحافظ، الذي يرى في دعم إسرائيل جزءًا من عقيدته الدينية.
تعتبر إسرائيل حليفًا استراتيجيًا لأمريكا في الشرق الأوسط، وترامب رأى في دعمها فرصة لتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة.

كان للمليارديرات اليهود،، علاقات شخصية مباشرة مع ترامب، مما جعله يتبنى سياساتهم بشكل كامل.
من خلال ذلك يتضح أن بعض قرارات ترامب لم تكن مجرد قرارات سياسية، بل نابعة من علاقاته المالية والشخصية الوثيقة مع رجال الأعمال اليهود.

هذا بالنسبة لإسرائيل أما الطرف الآخر حين نظر( ترامب )إليه( الأمتين العربية والإسلامية)، لم يجد سوى كيان ضعيف، منقسم، متخاذل، يخشى حكامه زوال سلطانهم أكثر مما يخشون زوال القدس. وجد أنظمة مستسلمة، مذعورة، متمسكة بمناصبها، غير قادرة على اتخاذ مواقف حاسمة ضد قراراته.

لكن، وكما علمنا التاريخ، فإن الأمة التي تستسلم لا تبقى، والأرض التي تُحتل بالقوة لا تعود إلا بالقوة. وكما تصدت مصر للتتار والصليبيين وحررت الأرض والعرض، ستظل دائما الصخرة التي تتحطم عليها الأطماع الصهيونية والاستعمارية.

، وما أشبه اليوم بالبارحة. فمصر، كما كانت دائمًا، أم الدنيا وكنانة الله في أرضه، وستظل الدرع الحامي للأمة ، مهما حاول المال والنفوذ أن يغيرا الحقائق.

.ونقول لترامب رغم ما يبدو من ضعف جسد الأمة حاليا، تظل الشعوب القوة الحقيقية القادرة على التغيير. وكما انهارت مشاريع استعمارية سابقة، ستبقى المقاومة مستمرة، وسيأتي اليوم الذي تتغير فيه المعادلات، ويبقى الحق ثابتًا ويعود؛ ويتم تدمير المحتل رغم أنف ترامب وإسرائيل

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى