تهجير غزة.. كواليس خطة ترامب والأسباب
شكل اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن تتولى الولايات المتحدة ملكية قطاع غزة خطوة غير تقليدية في السياسة الأمريكية.
وأثار المقترح الكثير من الجدل منذ الإعلان عنه خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، حيث قرأ ترامب تفاصيل الاقتراح من ورقة، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
هذا الإعلان جاء بعد زيارة قام بها مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي عاد من غزة ووصف الأوضاع المروعة في القطاع بعد الحرب، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
الاقتراح كان مفاجئًا داخل الإدارة الأمريكية، حيث لم تعقد أي مناقشات رسمية أو اجتماعات مع وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع (البنتاغون) لبحث الجدوى أو التفاصيل الخاصة بالفكرة. ووفقًا لأربعة أشخاص على دراية بالمناقشات، لم تكن هناك فرق عمل لدراسة الفكرة أو وضع تقديرات لعدد القوات الأمريكية اللازمة أو التكلفة المرتبطة بتنفيذها.
وعلى الرغم من أن ترامب كان يتحدث عن هذه الفكرة بشكل غير رسمي منذ أسابيع، إلا أن الإعلان الرسمي عن الفكرة فاجأ العديد من كبار المسؤولين في البيت الأبيض.
وعلى عكس الإعلانات الرئيسية في السياسة الخارجية للرؤساء السابقين، بما في ذلك ترامب نفسه، لم تكن فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة جزءًا من النقاش العام قبل يوم الثلاثاء.
ولكن ترامب كان يتحدث عن ملكية الولايات المتحدة للقطاع منذ أسابيع. وتسارعت أفكاره، وفقًا لمسؤولين اثنين في إدارته، بعد عودة مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، من غزة الأسبوع الماضي ووصفه للظروف المروعة هناك.
لكن لم يتوقع أحد – لا في البيت الأبيض، ولا الإسرائيليون – أن يعلن ترامب عن الفكرة يوم الثلاثاء حتى قبل الإعلان مباشرة. وقد لقيت الفكرة معارضة فورية من العالم العربي، بما في ذلك من السعودية، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة. وفي تعليقات للصحفيين يوم الأربعاء، حاولت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، تخفيف بعض تصريحات ترامب.
وترك عرضه المزيد من الأسئلة بدلاً من الإجابات، مثل: كيف سيتحقق هذا؟ كم عدد الجنود الأمريكيين المطلوبين للقضاء على حماس وإزالة جبال الحطام، وتفكيك الذخائر غير المنفجرة؟ وما تكلفة إعادة بناء موقع هدم بحجم لاس فيغاس؟ وكيف يمكن تبرير الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بموجب القانون الدولي؟ وماذا سيحدث لمليوني لاجئ؟
خلال الساعات التي تلت الإعلان، كان المسؤولون الكبار في الإدارة يفتقرون بشكل ملحوظ للإجابات الجوهرية. السبب في تحاشيهم أصبح واضحًا قريبًا: لم تكن هناك تفاصيل فعلية.
وفي يوم الأربعاء، ظهر مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، في برنامج “CBS Mornings” للترويج لفكرة غزة. لكن كان من الواضح من الحديث أن هذه كانت أقل من خطة وأكثر “مفاهيم لخطة”، كما وصف ترامب أفكاره حول سياسة الرعاية الصحية خلال حملة 2024، التي لم تتحقق أبدًا.
ردود الفعل الدولية والداخلية:
كان هذا الاقتراح مفاجئًا للمجتمع الدولي، حيث قوبل بمعارضة فورية من العديد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية. كما كان من الصعب تصور كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتولى مسؤولية واحدة من أسوأ المناطق الكارثية في العالم، مع كل التحديات السياسية والإنسانية. لم يكن واضحًا أيضًا كيف يمكن تبرير الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية بموجب القانون الدولي، وما سيكون مصير ملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة.
حتى داخل البيت الأبيض، كانت هناك شكوك حول الفكرة. وأكد بعض المسؤولين المقربين من ترامب أنها كانت فكرته وحده، وأنه لم يتم التشاور مع أي من كبار القادة العسكريين أو الدبلوماسيين حول كيفية تنفيذها. في الواقع، وصف العديد من المسؤولين هذه الفكرة بأنها غير واقعية حتى بالنسبة لترامب نفسه.
ترامب يناقض نفسه:
جدير بالذكر أن هذا الاقتراح يتناقض مع موقف ترامب السابق الذي كان ينتقد تدخل الولايات المتحدة في بناء الأمم في الشرق الأوسط. لكن ترامب كان دائمًا يتبنى مواقف إمبريالية، حيث كان يرى العالم كمجموعة من الدول التي يمكن أن تستفيد من القوة الأمريكية. وفي فترته الرئاسية الأولى، قدم ترامب العديد من المواقف المثيرة للجدل بشأن السياسة الخارجية، بما في ذلك محاولات شراء غرينلاند أو السيطرة على قناة بنما.
إعلان ترامب عن فكرة ملكية غزة كان بمثابة خطوة مفاجئة في السياسة الأمريكية، وقد أثار العديد من الأسئلة حول نوايا الإدارة وحول كيفية تنفيذ هذا الاقتراح الطموح. وبينما كان بعض المستشارين في إدارة ترامب يدافعون عن الفكرة باعتبارها محاولة جريئة لإيجاد حلول جديدة، كان هناك شعور عام بأنها فكرة غير قابلة للتنفيذ. في الأيام التي تلت الإعلان، بدأ المسؤولون الأمريكيون في التراجع عن الفكرة، حيث أصبح من الواضح أنها لن تنجح وأن تفاصيلها كانت غائبة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
على الرغم من أن البعض في المجتمع الإسرائيلي والأمريكي المؤيد لإسرائيل أبدوا دعمهم لفكرة ترامب، إلا أن الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين اعتبروا الفكرة غير قابلة للتحقيق، وأكدوا أن الاقتراح قد يزيد من التوترات في المنطقة ويؤدي إلى تصعيد التطرف.
ونقلت الصحيفة عن مستشاري ترامب إنهم توقعوا أن تموت فكرة ملكية غزة بهدوء مع مرور الوقت، حيث أصبح من الواضح لترامب أنها غير قابلة للتنفيذ.