حماس بين الحسابات الخاطئة وخسائر الحرب
يارا المصري
بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى، يطرح العديد من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية تساؤلات حول ما إذا كانت الحرب الأخيرة قد جلبت خسائر تفوق المكاسب. الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة، وارتفاع عدد الضحايا، بالإضافة إلى تصاعد عدوان الاحتلال في الضفة الغربية، كلها عوامل تجعل من الصعب تجاهل تداعيات الحرب وآثارها على الواقع الفلسطيني.
الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، والذي كان يهدف إلى تحقيق مكاسب استراتيجية، تحول إلى نقطة تحول أدت إلى سلسلة من الصراعات الدامية في المنطقة. الحرب المدمرة في غزة، والصراع الدموي في لبنان، والنزاعات الصامتة في الضفة الغربية، كلها كانت نتاجًا مباشرًا للهجوم، إلى جانب تصاعد التوترات الإقليمية مع إيران وأذرعها في اليمن والعراق وسوريا.
رغم الزخم الذي بدأ به الهجوم، أثبتت نتائجه أنه لم يحقق أهدافه الاستراتيجية، بل عمّق الانقسام الفلسطيني وأدى إلى خسائر كارثية على كافة المستويات.
قبل الهجوم، كانت حماس تُعتبر قوة ذات ثقل في الساحة الفلسطينية، لكنها اليوم تواجه اتهامات متزايدة من الفلسطينيين بتحمل المسؤولية عن الخسائر البشرية والدمار الذي لحق بقطاع غزة. فقد أدت الحرب إلى تآكل شعبية الحركة بشكل كبير، خاصة مع فقدانها الكثير من قياداتها السياسية والعسكرية خلال الصراع.
إلى جانب ذلك، لم تفلح الحرب في تعزيز مشروع الدولة الفلسطينية، بل وفرت لإسرائيل ذريعة لتصعيد سياساتها ضد الفلسطينيين، مما أدى إلى تقويض حل الدولتين وإضعاف الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية.
الدمار الشامل الذي طال قطاع غزة خلال الحرب، بما في ذلك البنية التحتية والاقتصاد، جعل من الصعب على حماس الاحتفاظ بقدرتها على إدارة القطاع. يحتاج قطاع غزة إلى دعم دولي واسع لإعادة إعماره وإنقاذ سكانه، في وقت تواجه فيه الحركة عزلة متزايدة وتراجعًا في التأييد الشعبي.
أما في الضفة الغربية، فقد أدى تصاعد عدوان الاحتلال إلى تعميق معاناة الفلسطينيين، وزاد من تعقيد الوضع السياسي والأمني، مما جعل أي محاولة لاستعادة زمام المبادرة الفلسطينية أكثر صعوبة.
مع انتهاء الحرب، يبدو مستقبل حماس غامضًا. الحركة التي بدأت الصراع بضربة مباغتة وجدت نفسها في موقف المهزوم سياسيًا وعسكريًا. قدرتها على الاستمرار في حكم قطاع غزة تبدو محل شك، خاصة مع الانهيار الاقتصادي والضغط الدولي المتزايد لإعادة ترتيب الأوضاع في القطاع.
اليوم، يقف الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية على أعتاب مرحلة جديدة، حيث يواجهون تحديات إعادة البناء والمصالحة الوطنية وسط انقسامات داخلية وخسائر كبيرة. أما حماس، فقد أصبحت في موقف لا تحسد عليه، إذ تواجه واقعًا جديدًا يتطلب إعادة التفكير في استراتيجياتها وطموحاتها. الحرب الأخيرة لم تغير فقط وجه غزة، بل تركت بصمة عميقة على مستقبل القضية الفلسطينية بأكملها.