تجار القدس: صراع البقاء وسط أزمات اقتصادية متصاعدة

يارا المصري
في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها مدينة القدس الشرقية، يكافح التجار الفلسطينيون في البلدة القديمة للحفاظ على استقرار أعمالهم. فرغم مرور عامٍ على تحقيق نوع من الاستقرار النسبي، إلا أن التداعيات الاقتصادية الناتجة عن التوترات الأمنية والحرب في قطاع غزة لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على سكان المدينة، وخصوصًا على تجارها الذين باتوا يعانون من ركود خانق وغياب شبه كامل للسياح والزوار.
لطالما كانت أسواق البلدة القديمة في القدس مركزًا تجاريًا نابضًا بالحياة. فقد اعتاد المتسوقون من مختلف أنحاء فلسطين زيارة المدينة للتبضع وأداء الصلوات في المسجد الأقصى. إلا أن هذا المشهد تغيّر جذريًا في الآونة الأخيرة. التاجر المقدسي سمير الكاشف، الذي ورث متجره العريق عن أجداده، يصف الحال بقوله: “كان السوق يعجّ بالناس، ولكن الآن أصبح من النادر أن ترى متسوقين. حتى سكان القدس أنفسهم يواجهون صعوبة في الوصول إلى السوق بسبب الحواجز والممارسات الإسرائيلية”.
يتحمل التجار في البلدة القديمة أعباء اقتصادية هائلة، حيث أدى تراجع أعداد المتسوقين والزوار إلى انخفاض المبيعات بشكل حاد. ويضيف الكاشف: “في الماضي، كان السوق يعمل دون توقف، لكن الآن نفتح المحال صباحًا ونجبر على الإغلاق مبكرًا بسبب غياب الحركة التجارية وخوف المتسوقين من التنقل مساءً”.
الخوف من اندلاع المواجهات في ساعات المساء يدفع المتسوقين للابتعاد عن الأسواق، وهو ما يجعل التجار يخسرون ذروة الحركة التجارية المعتادة في هذه الأوقات. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، لجأ بعض التجار إلى إغلاق محالهم نهائيًا أو الانتقال إلى مناطق أخرى، مما يهدد بنزيف مستمر للهوية التجارية والتاريخية للبلدة القديمة.
رغم الصعوبات، يتمسك تجار البلدة القديمة بالأمل في عودة الحياة إلى أسواقهم. يقول الكاشف: “نأمل أن يعود الاستقرار وأن تستعيد القدس مكانتها كوجهة تجارية وسياحية. نحن هنا نحافظ على تراثنا وتاريخنا، ولن نتخلى عن هذه الأرض مهما كانت الظروف”.
إن الحفاظ على طابع البلدة القديمة الاقتصادي والثقافي يتطلب تضافر الجهود. دعم التجار الفلسطينيين هناك لا يقتصر فقط على مساعدتهم ماديًا، بل يشمل أيضًا تعزيز صمودهم أمام التحديات السياسية والاقتصادية. البلدة القديمة ليست مجرد مكان للبيع والشراء، بل هي رمزٌ لهوية القدس وتراثها العريق، الذي يجب أن يظل نابضًا بالحياة رغم كل العقبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى