سحر الزارعي تكتب : الترقيات الصامتة

تعالوا نتحدث عن ظاهرة جديدة: “الترقيات الصامتة”
في عالم العمل الذي يعج بالتنافس والتسارع، تبرز ظاهرة جديدة تستحق منا التوقف عندها والتأمل في أبعادها: الترقيات الصامتة. إنها تلك اللحظة التي تجد فيها نفسك تتحمل المزيد من المسؤوليات، تُشاد بجهودك في الخفاء، لكن دون أن تُترجم هذه الجهود إلى تقدير رسمي يعكس قيمتها الحقيقية.
هذه الظاهرة أشبه بوهج الشمعة، تُنير للآخرين بينما تذوب بصمت. الحكمة الصينية القديمة تقول: “لا تدع شجرة مثمرة تقف في العراء بلا حماية، فالرياح القوية تقتلعها أولًا.” وهي تذكير بأن التقدير لا يمنح فقط اعترافًا، بل حماية من الاستنزاف الذي قد يُفقد الجهد بريقه ومعناه.
الترقية الصامتة قد تبدو للبعض فرصةً لإثبات الذات وإظهار الكفاءة في بيئة العمل، لكنها في الوقت ذاته تُسلط الضوء على إشكالية مهمة: هل الجهد وحده يكفي ليحصل الموظف على التقدير الذي يستحقه؟ أم أن الواقع العملي يتطلب أكثر من ذلك؟
في كتابه Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us، يشير دانيال بينك إلى أن التحفيز الحقيقي لا يُبنى على العمل وحده، بل يحتاج إلى مزيج من الإتقان، والشعور بالغاية، والاعتراف بالجهود المبذولة. عندما يغيب التقدير، يصبح الجهد المبذول مجرد عبء يُثقل الطموح ويطفئ الحماس تدريجيًا.
إن هذه الظاهرة لا تتعلق فقط بعدم تقدير الجهود، بل تعكس أيضًا طبيعة بيئات العمل الحديثة التي أصبحت أكثر تطلبًا، وأحيانًا أكثر تهميشًا. الموظف الذي يواصل بذل الجهد دون تقدير علني، يُشبه الشخص الذي يقدم خدمة بجودة عالية، لكنه يظل في الظل دون أن يُسلط عليه الضوء.
قد يكون الصمت عن هذه الترقيات في بعض الأحيان خيارًا، لكن في كثير من الأحيان يكون الخلل الحقيقي في ثقافة العمل نفسها، حيث يغيب التقدير الفعلي ويحل محله الاعتراف اللحظي غير المستدام.
وهنا يُطرح السؤال الأعمق: هل الصمت عن هذا الجهد ضرورة نتحملها أم خلل يجب مواجهته؟ وهل يكفي الاعتراف الداخلي بالكفاءة، أم أن التقدير العلني هو ما يمنح الجهد قيمته المستحقة؟
الأمر يستدعي إعادة النظر في ثقافة بيئات العمل، حيث يجب أن يكون الاعتراف بالجهود جزءًا أساسيًا من ممارسات المؤسسات، وإلا فإن الترقيات الصامتة ستظل مجرد خطوة مؤقتة نحو فقدان المواهب وانطفاء الحماس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى