“وادي الحيتان” متحف مفتوح في الصحراء المصرية
الفيوم – المدن الجديدة:
يكشف متحف “وادي الحيتان” في قلب الصحراء المصرية عن حقيقة تاريخية هامة تتعلق بتطور الحيتان، حيث يثبت أن هذه الكائنات كانت في الماضي حيوانات برمائية تعيش على اليابسة، قبل أن تتحول بمرور الزمن إلى مخلوقات بحرية تتواجد في البحار والمحيطات.
وتعد محمية “وادي الحيتان”، التي تقع في محافظة الفيوم على بعد 100 كيلومتر غرب القاهرة، من أبرز المواقع الطبيعية في مصر، حيث تم إدراجها كأول موقع بيئي مصري في قائمة التراث الطبيعي العالمي التي تضم أكثر من 130 موقعا حول العالم تحت إشراف منظمة اليونسكو.
ويطلق أهالي الفيوم على المنطقة اسم “وادي المساخيط”، اعتقادا منهم أن سكان المنطقة تعرضوا لغضب سماوي أدى إلى تحولهم إلى مومياوات.
ووفقا للمسؤولين في محافظة الفيوم، فإن إدراج “وادي الحيتان” في قائمة التراث العالمي زاد من أهميته السياحية على مستوى العالم، كما يساهم في إثراء الدراسات العلمية والتاريخية في هذا المجال. ويتمتع الموقع بأهمية كبيرة نظرا إلى اكتشاف حفريات لحيتان منقرضة في الصحراء الغربية، مما ساعد العلماء على دراسة تطور هذا الكائن من حيوان بري إلى مخلوق بحري.
ويمثل “وادي الحيتان” متحفا جيولوجيا مفتوحا فريدا من نوعه، حيث يعكس “جبل جهنم” في المنطقة تاريخ قاع البحر القديم الذي كان مليئا بالثروات الطبيعية في تلك الحقبة. وتحتوي المنطقة أيضا على أرض يابسة ظهرت فوق سطح الماء، بالإضافة إلى نقطة مصب أحد أفرع النيل القديم، مع وجود غابات المانجروف.
وتعود الحفريات المكتشفة في “وادي الحيتان” إلى بيئة استوائية كانت سائدة في مصر في عصر الإيوسين، حيث عثر على حفريات لأسماك عظمية وأسماك قرش وسلاحف وثعابين بحرية وعروس البحر، إلى جانب فصيلة الديناصورات “البازيلوصورص” التي يصل طولها إلى 22 مترا.
وتسعى السلطات إلى تنمية المنطقة وتحويلها إلى متحف مفتوح للكائنات البحرية المتحجرة، مع التركيز على جذب السياحة البيئية والعلمية والجيولوجية. وعلى الرغم من بُعد “وادي الحيتان” عن البحار، إلا أن الحفريات تؤكد وجود عدد كبير من الحيتان وبعض الأسماك والدرافيل وعروس البحر والسلاحف البحرية.
وتعتبر المنطقة أصلية بالنسبة إلى سمك “أبوسياف” والجد الأصلي للحوت، حيث كانت قاع بحر “سيدس” الذي يعود إلى نحو 42 مليون سنة. وقد شهدت المنطقة تغيرات مناخية وفترات من التصحر وانحسار المياه على مدار الملايين من السنين، مما ساهم في تشكيل هذه المعالم الجيولوجية الفريدة.
ويواجه “وادي الحيتان” تحديات مثل الزحف الزراعي الذي يهدد التنوع البيولوجي، مما يعرض العديد من الحيوانات النادرة مثل الثعلب الأبيض والمنك والكوبرا المصرية إلى خطر الانقراض.
وتعد المنطقة أيضا موطنا لبعض الأديرة المنحوتة في الجبال، التي أقامها الرهبان منذ قرون، وتنتشر فيها العديد من الحفريات البحرية التي تعود إلى عصر الإيوسين، مثل حفريات “النيوميوليت” (قروش الملائكة) والكثير من القواقع وقنافذ البحر.
وتتسم محمية “وادي الحيتان” وبيئتها المحيطة في وادي الريان بتنوع بيولوجي كبير، حيث تضم أكثر من 16 نوعا من النباتات مثل العاؤول والطرفة والأثل والغردق ونخيل البلح، بالإضافة إلى حياة حيوانية بحرية وغابية غنية تشمل أنواعا عديدة من الثدييات مثل الغزال المصري والثعلب الأحمر والذئب المصري، وكذلك الزواحف مثل الورل الصحراوي والأرقم الأحمر، فضلا عن الطيور والأسماك في بحيرات وادي الريان.
وتعود حفريات الكائنات البحرية التي تم اكتشافها في المنطقة إلى نحو 40 أو 42 مليون سنة، وتشمل هياكل لفقاريات بحرية وأبقار وسلاحف وتماسيح وأسنان وأسماك قرش، وكذلك بعض أنواع القرود المنقرضة والأفيال. وقد أثار اكتشاف هذه الكائنات أسئلة عديدة حول كيفية وصول هذه الكائنات البحرية إلى صحراء “وادي الحيتان”، التي كانت في الماضي جزءا من البحر المتوسط قبل أن ينحسر عن المنطقة بفعل التغيرات الجيولوجية.
وتتنوع التفسيرات العلمية لهذه الظاهرة، حيث يعتقد الجيولوجيون أن المنطقة كانت جزءا من البحر المتوسط القديم وأن هناك نهرا كان يصب فيها، مما ساهم في تكوين دلتا وعاش عليها العديد من الكائنات البحرية. في المقابل، تتداول بعض الأساطير الشعبية تفسيرات طريفة، حيث يُعتقد أن الكائنات هي بقايا لمجتمعات متمردة تعرضت لغضب الله. وعلى الرغم من هذه الأساطير، فإن “وادي الحيتان” يظل صندوقا مليئا بالعجائب التي قد تكشف الأيام المزيد من أسرارها.