لعبة الساعات
بقلم : سحر الزارعي
الحياة، تمامًا كأغنية “ساعات ساعات”، ليست سوى مزيج من الأوقات المتناقضة. لحظات نعشق فيها كل شيء، ونشعر بأن الدنيا تحتضننا بكل حبها، ولحظات أخرى نغرق فيها في الوحدة، نتساءل فيها عن معنى كل شيء. أكتب اليوم هذه الكلمات، بينما أستعيد ذكريات طفولتي، وأرى فيها انعكاسًا لتلك الأغنية التي تبدو وكأنها تحكي قصتي.
ساعات ساعات… أحب عمري وأعشق الحاجات…
كان أبي يأخذني في جولة يومية بالسيارة، وكأنها طقس مقدس. لم يكن هناك وجهة محددة، لكن اللحظة ذاتها كانت غاية في الجمال. كان يقطع التفاحة، يهرسها بملعقة صغيرة، ويطعمها لي. شعرت وقتها وكأن التفاح هو كل ما أحتاجه لأحب الحياة. تلك اللحظات كانت تملأني بميت نغم كما تقول الأغنية، نغم يجعل كل شيء من حولي يبدو مليئًا بالحب والدفء.
وساعات ساعات… أحس قد إيه وحيدة…
لكن حتى تلك الذكريات الجميلة، لا تخلو من تناقضاتها. أتذكر ليالي رأس السنة، حين كنا نذهب معًا لنسمع أبواق السفن قرب البحر. كنا نفرح حد الجنون، وكأنها بداية جديدة تملؤنا بالأمل. لكن اليوم، حين أستعيد تلك الذكريات، أشعر أحيانًا بفراغ غريب. كأن الزمن خطف منا تلك اللحظات، وأصبح صوت الأبواق بعيدًا مثل النجوم التي كانت تُبهجني في طفولتي.
أضحك وألعب زي عصفورة ربيع…
في الصباح، كان صوت فيروز يرافقنا، وفي المساء كانت أم كلثوم تغني لنا. كنت أعيش تلك الطقوس دون إدراك، أضحك وألعب، وأشعر أن العالم بسيط. اليوم، أدرك أن تلك الأصوات كانت لغة أبي لي، طريقته في تعليمنا أن الجمال موجود في التفاصيل الصغيرة، في أغنية صباحية أو نجمة تضيء سماء الليل.
غريبة نفس اللي بيفرحني ما يفرحني…
حين أستعيد هذه الذكريات الآن، أجد نفسي أعيش تناقض الأغنية بكل معانيها. نفس الأشياء التي كانت تملؤني بالسعادة أحيانًا، تشعرني اليوم بالغربة. تلك اللحظات التي كنت أعتقد أنها ستبقى كما هي، أصبحت ذكرى، وأحيانًا ألم.
لكن، كما تقول الأغنية:
وأحب عمري وأعشق اليوم اللي فات…
أكتب هذه الكلمات لأقول لنفسي ولكل من يقرأها: لا بأس بأن تكون الحياة مليئة بالساعات المتناقضة. تلك هي لعبة الساعات. وما يهم، في النهاية، أن نجد في كل لحظة سببًا صغيرًا لنحب الحياة، ولو لدقيقة واحدة.
غريبة لعبة الساعات… لكن في غربتها، جمال لا يُوصف.