الوضع الاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي: تحديات وآفاق
بقلم د : عبير فرح
يعيش العالم العربي اليوم مفارقة لافتة بين دول مزدهرة تواصل تعزيز مكانتها الاقتصادية والتنموية، ودول أخرى مثقلة بأعباء الحروب والصراعات، تكافح للبقاء وسط تحديات إنسانية واقتصادية غير مسبوقة.
حيث نشهد طفرة تنموية ملحوظة في الدول المستقرة، تعتمد على استراتيجيات تنويع مصادر الدخل، استثمار التكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية. هذه الدول تسير بخطى واثقة نحو تحقيق مستقبل مستدام، مدعومة باستقرار سياسي يعزز قدرتها على النمو والازدهار.
أما في الدول المتأثرة بالصراعات، فالصورة أكثر ضبابا؛ إذ تواجه انهيارًا في البنى التحتية، معدلات بطالة مرتفعة، وأزمات إنسانية حادة. هذه الدول باتت تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية، بينما تقف أمام مسار طويل وشاق لإعادة الإعمار واستعادة الاستقرار.
إن الفجوة بين هذه الحالتين تدعونا كعرب للتأمل والعمل الجماعي؛ فالتكامل الاقتصادي والتعاون الإقليمي يمكن أن يكونا مفتاح الحل للعديد من الأزمات، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقًا وعدلًا لشعوبنا.
ولكن
“رغم التحديات، يبقى الأمل قائمًا بأن الشعوب العربية قادرة على النهوض بفضل إرثها الحضاري ومقدراتها البشرية.”
من ناحية الوضع الاقتصادي: نرى ان الدول العربية المستقرة أمنيا وسياسيا لديها النمو الاقتصادي وتراها تستفيد من استراتيجيات تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط. على سبيل المثال، شهدت الإمارات والسعودية تطورًا كبيرًا في القطاعات التكنولوجية، السياحية، والطاقة المتجددة. اضافة للاستثمارات الضخمة في تطوير البنية التحتية، من شبكات الطرق إلى المشاريع الذكية، مما يعزز جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية.
وبفضل السياسات النقدية الحكيمة، حافظت هذه الدول على معدلات تضخم منخفضة واستقرار في العملات المحلية.
اما من جهة الوضع الاجتماعي: توفر هذه الدول أنظمة تعليم وصحة متقدمة، مع تركيز على تحسين نوعية الحياة وتعزيز المساواة. كذلك تعمل على تطوير برامج الدعم الاجتماعي والتوظيف مما ساهم في تقليل معدلات الفقر والبطالة، خاصة في دول الخليج. ولا نقلل من اهتمامهم ب تمكين المرأة في المجالات السياسية والاقتصادية فقد أصبح أولوية، مما ساهم في تعزيز مشاركة جميع فئات المجتمع في التنمية.
مقارنة بالدول المتأثرة بالحروب:نراها تعيش تحديات البقاء وإرادة الصمود وتشمل هذه الفئة دولًا مثل سوريا، اليمن، ليبيا، والسودان, ولبنان . ورغم معاناتها المستمرة، فإن شعوبها أثبتت صلابة وقدرة على البقاء.
فنرى ان الوضع الاقتصادي في انهيار , فالحروب والصراعات أدت إلى تدمير كبير للبنية التحتية، مما أثر على جميع القطاعات الاقتصادية. وانهيار العملات المحلية وارتفاع مستويات الدين العام خلقا تحديات هائلة في تمويل الاحتياجات الأساسية. فا أصبحت هذه الدول تعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية الدولية لتلبية احتياجاتها الأساسية.
اما من ناحية الوضع الاجتماعي:
نرى ملايين النازحين داخليًا واللاجئين خارج الحدود يمثلون واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. كذلك تدهور الخدمات الأساسية. الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية تعاني من انهيار شبه كامل في العديد من المناطق.
وهذا كله ادى الى ارتفاع معدلات الفقر والجريمة وانتشار الفساد مما زاد من تعقيد الأوضاع.
ولكن رغم التحديات، فإن هناك فرصًا هائلة للنهوض إذا تم استغلال الإمكانيات العربية بشكل أفضل من خلال :
التعاون بين الدول العربية في مجالات الاقتصاد، الأمن الغذائي، والطاقة هذا يمكن أن يقلل من تأثير الأزمات ويعزز النمو.
قيادة مشاريع إعادة الإعمار في الدول المتأثرة بالحروب، يخلق فرص عمل ويسهم في تعزيز الأمن الإقليمي.
الاستثمار في رأس المال البشري والتكنولوجيا هو من اهم الطرق لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
دعم مبادرات السلام والمصالحة الوطنية في الدول المتضررة هو ايضا سبيل مهم جدا لتحقيق الاستقرار والتنمية.
“العالم العربي يملك كل المقومات ليكون نموذجًا للنهضة، شريطة أن نتحد كأمة واحدة، وأن نؤمن بأن التحديات هي فرص للنمو، وأن المستقبل ملك لمن يجرؤ على الحلم والعمل لتحقيقه.”
وختاما اقول ان عام 2024 أظهر بوضوح التباين الكبير بين الدول العربية المستقرة أمنيًا، التي حققت قفزات في النمو والتطور، وبين الدول التي عانت من الحروب، حيث واصلت مواجهة تحديات البقاء. بينما نجحت الدول المستقرة في استثمار استقرارها لتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي يعزز من رفاه شعوبها، لا تزال الدول المتأثرة بالحروب تكافح لإعادة بناء أسسها المدمرة.
ومع ذلك، فإن الرابط المشترك بين هذه الدول يكمن في الإمكانيات البشرية الهائلة، التي إذا استثمرت بشكل صحيح من خلال التعاون الإقليمي والدعم المتبادل، يمكنها أن تحول التحديات إلى فرص، وتعيد رسم مستقبل أكثر إشراقًا للمنطقة بأسرها.