لأول مرة منذ نصف قرن.. سوريا تستقبل عاماً جديداً من دون حكم الأسد

◙ دمشق) وكالات:

تستقبل سوريا العام الجديد 2025 من دون حكم عائلة الأسد، التي هيمنت على السلطة لمدة 54 عاماً، في حدث تاريخي يُمثل تحولاً كبيراً في تاريخ البلاد، حيث تفتح أبوابها لعهد جديد مليء بالتحديات والآمال، مع تطلعات شعبها لمستقبل أكثر حرية وعدالة.

وفي 16 نوفمبر من 1970، نفّذ حافظ الأسد، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في سوريا، انقلاباً عسكرياً أطلق عليه اسم “الحركة التصحيحية”، استولى فيه على الحكم.

وجاء الانقلاب بعد سلسلة من الخلافات والصراعات داخل “حزب البعث” الحاكم، خاصة بين جناحي القيادة القومية والقيادة القطرية، حيث تمكن الأسد من استغلال تلك الانقسامات لتعزيز موقعه والسيطرة على الحكم، معتمداً على ولاء القيادات العسكرية والمخابراتية التي كانت تحت إدارته.

وأعقب الانقلاب حملة اعتقالات واسعة استهدفت خصوم الأسد السياسيين داخل الحزب وخارجه، ما مهد الطريق أمامه لترسيخ سلطته.

وبعد الانقلاب، ركز حافظ الأسد على تعزيز قبضته السياسية والعسكرية من خلال إعادة هيكلة النظام الحاكم، وأصبح رئيساً للجمهورية في عام 1971 بعد استفتاء شعبي صوري، وباشر بوضع دستور جديد عزز من سلطات الرئاسة.

كما استند نظامه إلى بنية أمنية صارمة ومركزية، مكنته من السيطرة الكاملة على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، وشكّلت هذه الفترة بداية حكم طويل استمر ثلاثة عقود، تميّزت بالاستبداد السياسي وتركيز السلطة في يد العائلة الحاكمة.

وصول بشار الأسد إلى سدة الحكم

عقب وفاة حافظ الأسد في عام 2000، أجريت تعديلات دستورية عاجلة لتخفيض السن القانونية لرئيس الجمهورية من 40 عاماً إلى 34 عاماً، مما سمح لبشار الأسد بتولي المنصب ووراثته عن أبيه.

وفي ذلك الوقت، استغل النظام السابق الأجهزة الأمنية والمؤسسات الحكومية لتعبيد الطريق أمام بشار، معتمداً على إرث والده الذي رسّخ نظاماً سلطوياً يعتمد على الولاءات العائلية والحزبية.

ورغم أن النظام قدّم بشار الأسد كرئيس إصلاحي في بداية حكمه، إلا أن الواقع أثبت استمرار سياسات القمع والتسلط التي ميّزت حقبة والده، حيث عانى الشعب السوري من تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية خلال سنوات حكمه، مما أدى لاحقاً إلى اندلاع ثورة شعبية واسعة في عام 2011.

اندلاع الثورة في سوريا

وفي آذار عام 2011، اندلعت الثورة بعد احتجاجات سلمية انطلقت من درعا، حيث عبّر المتظاهرون عن رفضهم للقمع السياسي والفساد المتجذر في نظام بشار الأسد، ورفعوا شعارات تطالب بالحرية والكرامة، وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى مختلف المدن السورية.

وقابل النظام هذه المطالب بالقمع العنيف، مستخدماً القوة المفرطة ضد المتظاهرين، مما أدى إلى تصعيد الاحتجاجات وتحولها إلى حركة واسعة تسعى إلى إسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطي يضمن حقوق المواطنين.

ومع تصاعد العنف من قبل قوات النظام، تحولت الثورة السلمية إلى حراك مسلح، وأصبحت المطالبة بإسقاط بشار الأسد هدفاً رئيسياً للثورة، باعتباره رمزاً للديكتاتورية والقمع.

ورغم محاولات النظام قمع الثورة بشتى الوسائل، من استخدام الأسلحة الثقيلة إلى القصف الجوي، استمر الشعب السوري بمقاومته، متحدياً جميع الظروف القاسية، ومطالباً بالحرية والعدالة التي طالما حُرم منها.

إسقاط نظام الأسد

بعد سنوات من الحرب الثقيلة والمجازر التي ارتكبتها قوات النظام السابق مدعومة من روسيا وإيران وحزب الله وغيرها من الميليشيات، والتي أفضت إلى تدمير المدن الثائرة وتهجير سكانها إلى إدلب، أطلقت فصائل المعارضة عملية عسكرية في 27 تشرين الثاني الفائت تحت مسمى “ردع العدوان”.

وفي غضون أيام، تمكنت قوات “ردع العدوان” من تحقيق تقدم سريع على الأرض، مع تراجع النظام في العديد من المدن والمناطق الاستراتيجية، وانتهت العملية بدخول دمشق وهروب بشار الأسد إلى روسيا وإسقاط نظامه.

وفتحت تلك التطورات الباب أمام تشكيل حكومة انتقالية تعمل على إعادة الاستقرار إلى البلاد ومواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، بالتزامن مع مساع لإعادة ترتيب المشهد السياسي تمهيداً لكتابة دستور جديد وإجراء أول انتخابات حرة منذ أكثر من نصف قرن.

ومع استقبال العام الجديد، يطوي السوريون صفحة سنوات الاستبداد والقمع والدكتاتورية، متطلعين إلى بناء دولة تليق بتضحياتهم وتحفظ كرامتهم وحرياتهم، دولة يشعرون فيها بالانتماء بعيداً عن حكم العائلة، وطن يحتضن جميع السوريين بمختلف أعراقهم وطوائفهم ومشاربهم، وفي هذا العام الذي يحمل آمال الحرية والتجدد، يهنئ تلفزيون سوريا الشعب السوري بهذا العهد الجديد، معرباً عن أمله بمستقبل مشرق يعكس تطلعات السوريين نحو وطن يعبر عن طموحاتهم وأحلامهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى