لواء دكتور سمير فرج يكتب: عيد النصر 23 ديسمبر في عيون الإنجليز
أثناء دراستي، بكلية كمبرلي الملكية، في إنجلترا، كنت أنتهز عطلة نهاية الأسبوع، لقضائها بمكتبة الكلية، التي تحتوي على كنز من الكتب والمراجع والصحف اليومية، المحفوظة في دواليب كبيرة، إذ لم الحاسب الآلي قد ظهر بقدراته التي نعرفها اليوم.
وفي أحد الأيام، قررت البحث في تلك الدواليب عن إصدارات الصحف البريطانية، المعاصرة لحرب السويس، كما كان يطلق عليها في بريطانيا، للاطلاع على كيفية تناولها من منظور الإعلام الإنجليزي، الذي طالما حث رئيس الوزراء البريطاني للهجوم على مصر واستعادة الوجود البريطاني في منطقة قناة السويس، بدءاً من بورسعيد، والإسماعيلية، حتى السويس. إلا أنه مع بدء العدوان الثلاثي على مصر، تغير شكل معالجة الصحف البريطانية لأحداثها.
فكانت المفاجأة الكبرى عندما فجرت مصر سفن القوات المعادية، في قناة السويس، من جهة بورسعيد، ففشل الأسطول البريطاني في دخول القناة. وبدأت حكاوي غزو مدينة بورسعيد، وكيف نجح أهاليها في إبادة الدفعة الأولى من المظليين البريطانيين، في مطار الجميل، وانهالت الانتقادات حتى وصلت إلى الاتهامات بالتقصير، والغباء في التخطيط، من القيادات البريطانية، في خطة غزو مدينة بورسعيد، وهو ما أظهره حجم الخسائر التي ألمت بالقوات البريطانية.
وحتى بعد توقف القتال، واحتلال المدينة، استمر الانتقاد اللاذع لسوء تقدير الموقف، حيث كانت كل تقديرات الجيش البريطانية تؤكد أنهم سيلاقوا ترحيبا كبيراً من أهالي بورسعيد، إلا أن الواقع خالف كل التقديرات، وفوجئوا بضراوة المقاومة الشعبية، وعملياتها الفدائية، التي كان منها اختطاف الضابط مورهاوس البريطاني، ابن عم المليكة اليزابيث، وهو ما كان كارثة مروعة في التاريخ البريطاني، كذلك تم اغتيال ضابط المخابرات البريطاني في بورسعيد.
وقد أكدت الصحف البريطانية نجاح غارات الفدائيين المصريين، على القوات البريطانية، كل ليلة، منذ بدء حظر التجوال، وحتى يوم الانسحاب في 23 ديسمبر من نفس العام، ١٩٥٦، وركزت الصحف البريطانية على أن الجيش البريطاني لم يلق هزيمة، في تاريخه، مثل التي تلقاها في حرب السويس، في مدينة بورسعيد، التي خرجوا منها منكسي الرؤوس يوم 23 ديسمبر ١٩٥٦، بعدما ظنوا أن يعودوا إليها بعد 72 عاماً.
كانت تلك شهادة الصحف البريطانية حول شجاعة، وبسالة، أهالي بورسعيد أمام العدوان الثلاثي، الذي استحق أن يفخر ببطولته في تلك المعركة العظيمة، وأن يخلدها في وجدانه، ويحيي ذكراها، في كل عام، على مر العصور.