لقمتهم الصبر ودوائهم الرضا بالمقسوم !!

 
بقلم الكاتبة علا مكاوى
تمر أم الدنيا بأزمة إقتصادية بالغة الصعوبة، وربما من أشد الأزمات بعد فترة الشدة المستنصرية! ولا مجال للبحث عن الأسباب أو تبادل الإتهامات بين الشعب والمسؤولين، ولكن علينا أن نفكر كيف نجتاز الأزمة، ونمر بمصر بسلام وأمان، دون أن يصيبها مكروه أو يدنس أرضها طامع ..
ومن أجل اجتياز الأسر الفقيرة لهذه الأزمة ، هلت على شاشة التليفزيون سيدة فاضلة، وعرفتنا بنفسها أنها أستاذة فى الإقتصاد المنزلى، ولأن الإعلام فى مرحلة اضطراب من عدة سنوات، فقد ظهرت الأستاذة فى أحد البرامج الدينية! وتحدثت عن كيفية توفير المتطلبات الغذائية للأسر الفقيرة!! وكى تصبغ حديثها بصبغة دينية تتلاءم وطبيعة البرنامج، لجأت إلى الإعتصام بسورة من سور القرآن الكريم، وقالت ما معناه أنها تساعد فى توفير الطعام! وهى إشارة لما نعرفه من قبل، أن الرسول ﷺ كان يقرأ سورة “قريش” عندما يأتيه ضيوف على غير موعد، وفى وقت إطعام، والطعام المتاح غير كاف! فكان يقرأ آية من هذه السورة وهى: “وأطعمهم من جوع وامنهم من خوف” فكان يستعين بالله على الستر أمام الضيوف، وهى بذلك تتعشم أن نكون جميعاً نورانيون ونصل بدعائنا إلى مرتبة دعاء الأنبياء!!
كانت الأستاذة تريد أن تبهر المشاهدين بقدرتها الفائقة فى الإقتصاد، ولكنها وقعت فى خطأ تحديد القيمة الفعلية للمصروفات، وبالغت كثيراً فى ذلك!!وكان من الأفضل أن تكتفى بوضع حلول لكيفية الإستفادة من الغذاء المتاح بأفضل صورة، وهناك الكثير من الأفكار فى هذا المجال، وقد حاولت أن تبين أنها ليست بعيدة عن الطبقة التى تخاطبها، وأنها
تعانى معاناتهم فى توفير متطلبات بيتها! وعبرت عن ذلك أنها لم تأت من كوكب آخر! وقد أخفقت فى إقناعى وكثير غيرى فى رسم هذه الصورة، فهى دارسة للإقتصاد المنزلى، وحاصلة على درجة الدكتوراة فى هذا المجال، وكما قالت أنها تحاضر فى العديد من المنابر العلمية، وتستضاف مئات المرات
فى كثير من القنوات التلفزيونية، ولكل ذلك فهى ليست المستهدفه بهذه الدراسة، وقد ذكرنى حديثها بلقاء لفنان محترم إبن أسرة بسيطة، شاب عصامى فخور بأهله، وهو الفنان”سامح حسين”والذى زاد احترامى له، وهو يحكى عن معاناة أمه، وكيف تعبت حتى توفر له ولإخوته الطعام، وقال: “كانت أمي تطلب من الجيران أن يمدونها ببقايا طعامهم، لأنها تربى طيور، وذلك يساعدها فى اطعامهم، واستجاب الجيران لها، وكنا نحن هذه الطيور” هكذا تحدث الفنان العظيم فى فنه وأخلاقه، وإبن سيدة أعظم بحماية ورعاية أولادها، فهى لم تخجل من طلب المساعدة ولكن بذكاء وشكل يحافظ على كرامة أولادها، هى واحدة من ملايين السيدات، والتى ربما تنام والجوع يقرص أحشائها كى توفر لقمة فى فم صغيرها! سيدات مصر لم يعدمن الحيل التى يقتصدن بها، وأعتقد الأفضل هو البحث عن سبل لتوفير الرزق، كتربية الطيور والأرانب، والانتفاع بالانتاج فى غذائهم، وبيع بعضه، وتسهيل تعليم الحرف والصناعات البسيطة، حتى يزداد دخل الأسر، وحديث الأستاذة أعاد لذهنى قصة إحدى السيدات، وهى شابة فى الثلاثينيات من العمر، تعمل مساعدة لى فى المنزل، وقصتها موجعة، مما جعلنى أعتز بها وبنضالها، وأعتبرها كإبنة لى، فهى شابة منحها الله قدراً من الجمال، وهى أم لخمسة أطفال، ومعيلة لزوجها وأطفالها، ولا أحد يلومها على كثرة الإنجاب، لأنها حملت مرتين منهم، رغم استخدام وسيلة لمنع الحمل! هذه الشابة لم تكن تعمل، وكانت سيدة لبيتها، فى عصمة رجل رياضى، لاعب لكرة القدم، ولكنه أصيب بمرض أقعده فى بيته بلا عمل، وهى تكمل تعليمها، ولم تكن تعرف كيف تأتى بمصروفات البيت والعلاج، وجال بخاطرها فكرة التسول، فركبت من ضواحى حلوان إلى العباسية كى لا يعرفها أحد ممن تعرفهم! ولكنها بعد كل المعاناة فى الطريق، عز عليها نفسها،
وفشلت فى التسول، فبكت وعادت الى بيتها بعد خسارتها لأجرة المواصلات! وبدأت رحلة البحث عن عمل لدى الأسر،
كمساعدة فى المنازل،
عاملة باليومية من الصباح الباكر إلى وقت العصر، حتى تعود قبل الليل، بناءً على تعليمات زوجها، وهذا الزوج يمارس عليها العنف، ويحكم عليها ألا تمشى فى الطريق العام بلا نقاب! وتسمع وتطيع ولا تخل بما اتفقت معه عليه، وهذا والله هو الإيمان وقمة الإحترام والإلتزام بالكلمة والعهد، وأتذكر فى أحد الأيام من أكتر من عام، دار بيننا حوار وسألتها: كم سعر كيلو الجبنة القريش فى بلدكم؟ قالت: معرفش ومش بأشتريها! سألتها متعجبة: والأولاد بتفطر إيه؟! قالت: بأجيب بأتنين جنيه فول وأقطع عليهم قوطة كتير وياكلوا، وضحكت واستكملت: واللى يشبع يشبع واللى مايشبعش يتفلق “ كلامها وجع قلبى، وعرفت منها بعض طرق التوفير، فالخضار لا تشتريه كما تنصح الأستاذة من الأسواق! ولكنها تذهب للبائعين فى الأسواق آخر اليوم، وتأخذ مما تبقى لديهم من خضروات بين مضروبة أو معطوبة، والتى عفت النفوس عن شرائها، وتشتريها بالقليل من النقود، وربما يعطيها البائع الخضروات دون أن يزنها، وذلك من أجل التخلص منها قبل استقبال الخضار الطازج لليوم التالى، هذا الخضار تحاول أن تستقطع منه ما تستطيع بيعه بعد تنظيفه، وتصنع من الباقى الطعام الذى يسد رمق أطفالها، ولزوجها الأفضلية فى كل شىء،
”كما كانت تفعل فاطمة مع أبو العلا فى فيلم الزوجة التانية” فتشترى الزبدة لأكله الخاص، وتحرص على غذاءه وعلاجه، وكافة متطلباته، بالقطع بعد أن مارست العمل عاد ذلك عليها وعلى أسرتها بالخير، ومن المؤكد تحصل على مساعدات من الأسر، بالنقود أو التبرع بكيس لحم أو دجاج من وقت لاخر، أو الفائض من ملابس وأغطية، ولكن دائما أنظر إليها وإلى جمالها،
وأدعو لها، وأتساءل كيف تصبر على ما هى فيه، وتحافظ على نفسها وزوجها، ولم تنزلق قدمها إلى ما يغضب الله!!
وكيف سيكون ميزان حسناتها عند الله جل فى علاه، وهو المطلع على هذا الجهد والجهاد!! وعلى نصرتها على إبليس، ولم تسول لها نفسها الوقوع فى الخطأ والكسب الحرام،
أو التلاعب بما تعهدت به أمام زوجها،
هذه واحدة من كثيرات يا أستاذة الاقتصاد، وأضيف بعض المعلومات، أن هناك من تصنع من عجينة الطعمية، كفتة مطبوخة بعد إضافة أرز مطحون وعصير طماطم، وبملء كف اليد عدس تصنع إناء كبير من فتة العدس، وبالمثل الفول النابت وعصير الطماطم تصنع طبخة للأطفال، وغير ذلك الكثير من وسائل التوفير، وهكذا تفعل الأمهات كى يشبعن بطون أولادهن، وكما يقلن: هو حد هيفتش بطننا!! ولكن أولادهن هؤلاء الأطفال المحرمون من بيضة وكوب لبن، كيف ستكون صحتهم فى الأيام القادمة؟!
وهذا ما يذكرنى بزيارة للمدارس قام بها الطبيب دكتور (حسين بهاء الدين)
وزير التربية والتعليم لمدة طويلة فى عهد الرئيس مبارك، وكانت نتيجة الزيارة اكتشاف أعداد غفيرة من التلاميذ مصابون بالأنيميا وأمراض أخرى نتيجة سوء التغذية، وعلى أثر الزيارة قررت الدولة تقديم وجبة غذائية وافية للأطفال، ولا أعلم إن كان تقديم هذه الوجبة مازال قائما أم أخذه الوبا وأصبح أطفالنا فريسة الجوع والمرض !!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى