راوان العدوان .. قراءة في لوحات غيرت مفاهيم الفن التشكيلي

خلال المرحلة الأولى من مغامرة الفنان في عالم الفن فأنه عادةً ما يتبنى نهجًا واقعيًا من خلال تصوير العالم من حوله سواء اكانت التفاصيل الدقيقة للأشجار، الطبيعة، أو الأشخاص من المحيط في بيئته. ومع ذلك، يتطلب التقدم والتطور في الرحلة الفنية الابتعاد عن المألوف والبحث عن أسلوب يميزهم عن أقرانهم.

تتجاوز الفنون التشكيلية مجرد الكمالية في رسم التفاصيل؛ فهي وسيلة للتعبير عن المشاعر، ولوحة لتناسق الألوان، وقناة لرؤية الفنان ورسالته التي يسعى الى ايصالها للجمهور، إن دمج عناصر الجمال، يشير إلى فطنة ثقافية، تمكّن الفنان من صياغة روايته وقصته، من خلال تشكيل تكوينات تختلف من عصر الى اخر.

ان عملية الفن معقدة، فهي تتطلب البحث والدراسة على مدار سنوات طويلة، والتفكير خارج إطار الصندوق بالإضافة الى إطلاق الفنان الخيال لعنانه، وهي ايضا ليست عملية حرفيه ويتطلب التميز، الخروج عن المألوف، هذا من الناحية العملية !، من وجهة نظري فان هناك جانب اخلاقي الا وهو صدق الفنان وثقة الفنان بفطنته وبقدراته، الفن يتطلب شجاعة ايضا في تجربة اساليب ومواد جديده تضيف الى احساس اللوحة والتجربة الفنية.

لو ان الفنانون قد التزموا بدقة بتوجيهات معلميهم لما حدثت ثورة الفنانين الانطباعية، حيث أعادت هذه الثورة تشكيل مشهد العديد من التخصصات الفنية. لكنه من الضروري مواظبة التعلم والاعتراف بكل من الأساليب التقليدية للتدريس وتعلم الرسم والتلوين، ومتابعة التقنيات الحديثة وتعلمها كالفنون الرقمية وغيرها، حيث ان لكل عصر ثقافته وذائقته الفنية، اود الاشارة الى ان بعض الفنانين الذين تعلموا الفن بأنفسهم قد حققوا شهرة في عالم الفن مثل هنري روسو وفنسنت فان جوخ.

تُعتبر لوحة خنزير سولاويزي الشائخ، الموجودة في كهف ليانغ تيدونغنغ في إندونيسيا، أقدم عمل فني تمثيلي معروف في العالم.

ان الفن غريزة فطرية في النفس البشرية، ويتضح ذلك في فن الصخور، حيث يعتبر من أقدم أشكال الفنون المعروفة للبشرية، ويعود تاريخه إلى أكثر من أربعين ألف سنة. في عصرنا الحديث والمعاصر قد الهم هذا الفن، العديد من الفنانين.

تُعتبر لوحة بول كلي المعنونة منشور الكوميديينمثالًا على كيفية استلهام الفنان من الماضي وإعادة تفسير هذا الفن في سياق حديث. في هذه اللوحة، يتأثر كلي بفن الصخور من الثقافات القديمة، وبشكل خاص الرموز والزخارف الموجودة في الرسوم الجدارية للكهوف، ويذكرني هذه العمل بفن الصخور في بانيل إنغا الموجود في البرازيل والذي يعود تاريخه إلى أكثر من 6000 سنة قبل الميلاد. يأخذ كلي هذه الرموز ويصيغها بأسلوبه الخاص مما يخلق لغة جديده تحاكي العصر الذي نعيش فيه، ان هذه الرموز والاشكال ليست مجرد إشارة إلى الماضي، بل هي وسيلة لكلي لاستكشاف جوهر التواصل البشري. حيث ان الرموز وسيلة لنقل المشاعر والأفكار والقصص، ان استخدام كلي لهذه الرموز ليس حرفيًا، بل هو تعبير مجازي عن التجربة الإنسانية، حيث انه وظف هذه الرموز بأعماله بقالب جديد وبأسلوب مميز.

يتحدى هذا العمل المشاهد للتفكير بشكل إبداعي حول دور وترتيب الرموز في الفن التشكيلي إنها قوة الفن في تجاوز الزمن والحدود للتحدث إلينا بلغة عالمية وكأنها تخاطبنا شخصيا في آن واحد..

كيث هارينغ، الفنان المعاصر، أيضًا تأثر بفن الصخور والرسوم الجدارية للكهوف والنقوش، حيث أعاد تفسيرها في سياق حديث.

ان لوحتي والتي هي بعنوان اشاره “، هي عمل تعبيري تجريدي يصور بشكل رمزي شخصية فوق صخرة. وشكل تجريدي لشكل جمل، حيث ان هذا العمل يحاكي رسوم ونقوش الصخور الصفائية، وبأسلوب فكاهي وكان هذه الشخصية الرمزية تشير الى شيء ما، يخلق مزيج الأوكر، والأخضر الفاتح، واللمسات من الأحمر والأزرق توازنًا متناغمًا بين الألوان، مما ينتج عنه تكوين قوي بطابع اثيري ومتناغم فيه نوع من الفكاهة.

راوان العدوان

أكريليك ووسائط مختلطة على قماش.

35×35 سم.

اشارة

لقد كانت رسومات الصخور الصفائية والارث الثقافي ومنذ تخرجي عام ١٩٩٥ من المواضيع التي اثرت على اعمالي سواء كانت اعمالي الخزفية او واللوحات المعلقة، حيث جذبني هذا الفن والذي وجد في منطقة شمال شرق الأردن، والذي يعود تاريخه الى ما بين 1000 و400 سنة قبل الميلاد، انه ارث حضاري يفتخر به، تركه لنا اجدادنا العرب القدماء على الصخور البركانية، هذا الفن والذي صمد عبر القرون والذي ما زال حاضرا لهذا اليوم، حيث يمكن مشاهدة الجزء الاكبر منه في الأردن وجزء من السعودية وسوريا والعراق.

ان هذا الفن له اهمية، ليس فقط من الناحية الجمالية، وانما ايضا تكمن أهميته في دوره كأول شكل من أشكال اللغة المسجلة والمصدر الوحيد، مما يوفر لمحة عن تطور اللغة العربية الحديثة.

لا تعرض هذه النقوش فقط أقدم دليل على القراءة والكتابة، بل تشير أيضًا إلى معارف علمية أخرى لربما انها لم تكتشف بعد.

راوان العدوان / صورة، شمال شرق الأردن.

إحدى المحطات الرئيسية في هذا التطور هي النقش المسند الذي تم اكتشافه في اليمن، والذي يعود تاريخه إلى أكثر من 8000 سنة قبل الميلاد.

من خلال أعمالي الفنية، أهدف إلى نقل الحضور الخالد لهذه الرموز القديمة في عالمنا المعاصر لتذكرنا بتراثنا الثقافي وابداع اجدادنا العرب وجوهر تاريخنا الدائم، وأسعى الى لفت الانتباه للحفاظ على هذا الارث العريق من خلال وزارة السياحة والتي قدمت لها عدة مقترحات، ولكن بدون اية جدوى بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى