د. عبد الرازق عكاشة يكتب: بونار شمس اللون الحارقة ونهر من الحلم الأصفر

بونار النبي احد تلاميذ جوجان وصديق ماتيس
ورفيق موريس دوني حكايات من نهر المحبه
وسلامات من بحر الالوان
شمس اللون وضوء الليل
وقمر في ظهر الحبيبة مارتا
ولوحات العمر في حب كاد ان لاينتهي وسحابة أمل جديد يختم بها حياته
بقلم الفنان الناقد : عبد الرازق عكاشة
في عام 2000 مازالت أتذكر
أقيم
بالعاصمة الفرنسية باريس معرض كبير للفنان العالمي بونار .تحت شعار “الحلم يتحقق يا بونار”. استغل منظمو المعرض عبارة إنسانية كتبها بونار إلى الحبيبة مرتا في أحد الخطابات الغرامية التي تمت بينهم .
————الشباب ——
قائلا (أحلم يا مارتا أن يشاهد أعمالي الشباب بعد خمسين عاما.
وتكون أعمالي بصحة جيدة فلا تكون فقدت عافيتها اللونية )
الشباب هم وقود المجتمعات الثقافية
هم كتاب تاريخ الوطن وملونين ارض المحبة وزاعين قمح الاحلام
وحاصدين محصول الرحمه لمن زرعها من قبل
أستحسن المنظمون في متحف ميول هذه العبارة من أجل الشباب الحالم والصاعدوقدموا معرضا كان على مستوى الحدث.
المعرض باسم
(بونار العاشق )
عاش يرسم مرتا الحبيبة في الحمام .وفي غرفة النوم وفي المطبخ وفي الصالة ،
عاش يدللها طيلة حياته،
فقد عشق كل شيء فيها حتى الكذب الأبيض .
حبه الأبدي لها كان مثل النور الغارق في طهر زمن المبدعين .
ففي شارع اسمه شارع
هوسمان الكبير
(Boulevard Haussmann)
قريب من حي الأوبرا الشهير ، في شتاء عام 1894
مرت فتاة عابرة الطريق كانت ترتدى ملابس بيضاء خطفت عقل بونار ابن السابعة والعشرين عاما آنذاك كان الجلباب الابيض طويلا مرصعا بالدينتالا يضيق من على الخصر
ويظهر الصدر بشكله المرمري البارز.
هذا الصدر المرمري الذي يبحث عنه بونار لموديل حلمه المفتون بصدور نساء جوجان
الاستاذ ،
فجوجان كان بالنسبة لهم يرتشف حليب صدور نساء تاهيتي تلك الصدور ءالتي تشبه الأحجار الكريمة السمراء ليحول كل ارتشافه الي داخل الوجدان ليهضمه بهدوء ويعيده لونا برتقالي علي اللوحه
.هكذا كانت مارتا حلم بونار ليس مهم كذبها مهم فكرها وعقلها جسدها المرصع بقماش ابيض ورأسها التي تبرز وعليها منديل صغير يلملم شعرها
ويظهر جمال وجهها .
ملابس اولاد العائلات الكبيرة وترتدي قفاز يد
بونار وقف يتأمل صورة الملهمة الجديدة
التي يبحث عنها طيلة حياته .
ثبتت مكانها
الأحصنة التي تجر عربة العمر
توقفت عند ثلج الارصفه
وتعلثم لسانه ولم يخرج كلامه وانتفضت مشاعره
خرجت سيجاره
من فتحة الثوب القريبة من قلبه
،أشعلها
ونظر إليها متسائلا عن محل وهمي،
قرأت مارتا على محياه اللعبة، فابتسمت
ولم تجيب هل تكذب علي كذبي
واكتفت بأن أدارت ظهرها سارحة ثم تعود برأسها وتدور عكس جسدها لتتأمله .وفي هذه اللحظة ،
وصل بالعربه ذات الأحصنة إلي شريط (الترام).
فجاه وقعت مارتا بين النظرات الساخنه والبرد المثلج تحت
احد إطارات العربه
فصرخت تلتهم جسدها الجميل
لكن بونار خطفها بسرعة فائقة من يدها وعبر بها الشارع
وكأنه فارس أرسله القدر لينقذها في اللحظة المناسبة .
طارت روحها إلى السماء فرحا، تغيرت نظرتها له، وتعلثم لسانها ولم تعرف كيف تشكره غير بقبله مبلله برحيق الأرصفة ورياح الغرام التي
تبدل حالها
وثبتت بوصلة عقلها على وجدان بونار
انها امام (قبلة صلوات العمر )
امام صاحب مقام درويش الحب
وتغيرت مشاعر قلبها
ارتعشت أمام فارسها
الذى انطلق لسانه بالنصائح .
كيف تأخذ حذرها وهي تسير في الطريق المرة القادمه
وتركها تمضي،
كيف يابونار ياغشيم
تتركها
فانها تؤضت برحيق الحب ،
لتصلي ركعتين العشق خلفك ،
لكنه نداء المرسم حان وقت الذهاب لكنه ولم يستطع أن يمسك الفرشاه او ينام ..
اما مرتا ،فباتت تنتظر ظهور شمس الصباح ،
ترك الرسام بونار العربه
جرى وحيدا إلى الشارع، صعد
الترام وألقى بعقله وقلبه وبصرة من الشباك الى الشارع
بدأت عيناه تتحركان في كل تفاصيل الحى
، أخذ عقله يدقق في كل امرأة وتفاصليها
كلهن. مختلفات عنها ،
لاأحد يحرك النقطة البيضاء الساكنه في قلبه غيرها
سرح لم يتوقف بوجدانه عن البحث. لكنه لم يشاهد مرتا،
حزن وضع يدة على راسه وقرر العودة
لكنها اللحظه الفارقة
رفع راسه لمح مرتا تعبر الشارع بعد أن مر الترام ابتسم ابتسامه كبيرة
إذ تبين أنها هى الأخرى كانت تبحث عنه عن الفارس الحالم،
جرى نحوها وجرت نحوه في اللحظة نفسها،
ضحك
ضحكت ،
ثم قال: ما رأيك مارتا . و قبل أن يتكلم أكملت قولها موافقة
وأكمل أريد أن أشرب قهوة الصباح معك
في هذا البار الباريسي الهادىء .
حدثها عن ليلة أمس
وكيف أثرت فيه وأنها لم ينام
وعن فنه وانه يحلم برسم لون
لايعرفه احد من قبل
عن حلم
لم يدخله بشر غيره
وامل يريد الامساك به
وعن رغبه فى رسمها بوصفها نموذجا (موديل) رائع لبحثه
. و بدأت مارتا تحكي لها بسحر خاص
من أول قصة حكتها
مع أنه أدرك أنها تكذب عليه ،
قالت له: أنا من عائلة كبيرة تدعى عائلة دولانية،
من أشهر عائلات فرنسا
في هذا الوقت . سألها عن مكان الميلاد فلم تعرف وذكرت مكانا آخر، غير مكان العائله الاصلى ضحك بونار واستوعبها .
احبها بكذبها برحيق فمها وعطر صباحها
وهى تتكلم ونغمات صوتها تنبش فى وجدانه الداخلي شكل عمل جديد
بعد ذلك عرف بونار أنها تغير مكان الميلاد والأصل كل فترة من الحديث انه نسيان الكذب الابيض
يالهي كيف لاتحب مارتا من يستوعب ويغفر لها كل هذا
انه بونار احد عشاق اللون سيد اسياد مدرسة الانبياء
، ضحك عندما أدرك كل ذلك
لكنها فى ليله صدق قررت البوح بالحقيقة بعد شراب من كاس الضمير الحي
فحكيت له أن أصلها فلاحة فقيرة من ريف فرنسا انها ابنة نجار
ولها ثلاثه أخوة..
سألها عن عمرها
فقالت إن عمرها ستة عشر عاما .
لكنه اكتشف أنها تجاوزت الثانيةوالعشرين عاما. فضحك
كما أنها أخبرته بأنهاتملك محلا لبيع الورد في الشارع الشهير
الذي التقيا به، واكتشف بعد ذلك أنهاعاملة تبيع وردا مصنوعا من البلاسيكي يستخدم ليوضع على قبور الموتى ،
ولم يزد على أن يطلق ضحكة
وهو يقول: ما ألعن شيطانك يامراة !!.
رغم كل هذا فأنت جميلة وجمالك فيه
نبل النبلاء
أيتها المرأة، أحب كل شيء فيك حتى كذبك .
اتفقا أخيرا على أن يعيشا سوية في منزله الكبير
وأخبرها أنه لا يريد منها شيئا سوى أن تكون موديلا يرسمها كما يشاء
وكيف يشاء
سكنت معه فى منزله فى هذه الفترة أخذ يتلصص عليها وهي تستحمم ويرسمها عارية. ثم بدأ يطلب منها أن تجلس وتكشف جزءا جزءا، ثم بدأ يلمسها لتصحيح الوضعية التي يريدها أن تكون عليها في اللوحة
لكن بعد فترة ضاق به الحال وهي كذلك …فى ليله برد وشتاء قارس لم تكف النار المشتعلة فى مدفأة المنزل لوضع
حدا لبرودة جسد مارتا المرمري
وهى عاريه أمام الرسام .. فانتفض الموديل من وضع الثبات ،
وقفزت في عبائة داخلت ملابسه واختفت ، لمسها احضتنها، فاشتعل حبها في قلبه. أكثر وذابت الأجساد عشقا في بعضها بعض
وعاش معها بونار فى حب وأبداع مدة تسعة وعشرين عاما رسم لها 380 لوحه
بين زيت واسكتش
، كان يرسم مرتا وهي تستحم في صحن زنكي جميل أو في البيانو الصغير
او بجوار الورد
أو في النافذة كان يرسمها قى الحديقه والمنزل ويسجل أشعة الشمس وهي تنعكس على جسدها المرمري
فيتكون ضوءا حساسا شفافا نقيا نقاء الحب وطهره .
كان يقول بونار على جسد مارتا (ظهرك يامارتا بديع والموخرة تاخد شكل نصف القمر .)
احب رسمها وكانها قمر يضئ صحراء الفنان .
وقد قال أحد النقاد في مسألة توظيف الضوء عند بونار:”
لون الضوء الساقط على جسد مارتا عند بونار ((لا يضعه في مكانه بهذا الجمال إلا أهم ملون في تاريخ اللوحة الحديث)
لون له مشاعر وإحساس لون تسكه المحبه ورح السلام
لون عميق
(رسمته اليد التي تتلقى إشارات البدء .والتحرك والتوقف من القلب والوجدان . )ليس مجرد رغبة في الرسم
فى صباح يوم آخر من صباحات بونار السعيدة أتاه ساعي البريد
حاملا له رسالة كانت سببا في إدخال السعادة إلى قلب بونار مدى الحياة مكتوب على المظروف الخارجي عزيزي بونار
من رينوار
الكبير
لم يصدق وقتها إذ إن رينوارهو سيد عصر اللون في ذلك الوقت،
كان رينوار فارس اللوحة التأثيرية بلا منازع
عاد الفنان ليسأل نفسه : رينوار الكبير كتب لي؟ كيف ذلك يا إلهي كيف تنازل عن كبريائه .سرح بعقله
اخذ وقتا قليلا يتأمل الاسم ثم يعود واخيرًا فتح الخطاب بسرعة ولهفة وجد كلمات قصيرة من رينوار لكنها كانت سببا في تغيير كل شيء وأسهمت في تحريك الامل لديه
رينوار
عزيزي
الفنان بونار لقد شاهدت أعمالك صدفة اليوم عند تاجر لوحات وتأملتها فوجدتك رسمت سرا
رائعا من أسرار الفن، عرفت كيف تقبض على السر على الحلم
الدهشة في الابداع
—-سؤال خاص ——
ههههههههههههه بالله عليكم حين تقراء كل هذا عن اسرار الفن وياتي شخص
يقول لك ماهو الفن سيد عكاشة الم تصاب بهستريا الضحك يلا نكمل
رسالة رينوار افضل يكمل السيد الكبير
رينوار
لذا فأنا أدعوك للتمسك عزيزي بونار بهذا الخيط،
عزيزي الفنان لا تتخلى عما اكتسبت أنت على طريق معرفة
أين يسكن (يرقد )الكنز الابداعي,
أكتب لك وأنا لا أعرفك شخصيا
ولا أعرف من أنت،
ولم أكتب لأحد من قبل لأنني أردت أن أقول لك إن أعمالك فيها سحر خاص”
السيد رينوار باريس
ونكمل الثلاثاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى