القمة الأفريقية الصينية : شراكة ممتدة
مقال للسفير ماجد رفعت
عضو المجلس المصري للشؤون الخارجيه
مع تشرذم النظام الدولى القائم من نهاية الحرب العالمية الأخيرة، اتجه العالم خلال العقدين الأخيرين وبشكل متسارع إلى نظام قائم على تكتلات وتحالفات من الدول متشابهة الفكر والسياسات. وتمتع التحالف الغربى عن غيره من التكتلات بمتانة بناؤه لانه يستند إلى مصفوفة قيم واحدة ورؤية مشتركة للتهديدات التى تقترب من مصالحه الاقتصادية التى تم صياغتها لصالحهم بعد الحرب العظمى الاخيرة ونشاة المؤسسات المالية القائمة. ويمثل بزوغ الصين خلال العقدين الأخيرين كتهديد محتمل للنفوذ والمصالح الغربية اهم حدث دولى منذ تفكك الاتحاد السوفيتى فى التسعينات الذى كان يمثل التهديد الامنى الرئيسى للغرب، إلا ان التنافس الغربى مع الصين لا يتخذ شكل المواجهة الأيديولوجية التى كانت مع الاتحاد السوفيتى، وانما تتخذ وبوضوح شكل تنافس محموم حول المصالح الاقتصادية والعلوم فائقة التطور، ولهذا اتسمت السياسات الغربية لوقف التسارع الكبير فى النمو الصينى بتقييد تصدير مكونات التكنولوجيا الفائقة للصين وفرض تعريفات جمركية لكبح جماح الفارق الكبير لصالح الصين فى ميزان التجارة معهم .
ولهذا امتد التنافس الغربى الصينى إلى أفريقيا وغيرها من مناطق العالم كنتيجة حتمية بسبب توفر الموارد الأولية التى تحتاجها الصين كمدخلات فى الصناعات المتطورة كصناعة الرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية (نمت مبيعات السيارات الكهربية فى الصين خلال الشهور السبعة الماضية بنسبة ٣١% وهو معدل يزيد ب ١٠٪ عن المعدلات فى الغرب) علاوة على الموارد الأخرى التقليدية كالنفط والغاز واليورانيوم والنحاس والزنك والليثيوم وغيرها من المواد الأولية التى تتمتع بها دول أفريقيا باحتياطيات مهمة، فعلى سبيل المثال تمتلك أفريقيا ٥٥٪ من احتياطيات العالم من الكوبالت و٤٨٪ من المنجنيز و٢٢٪ من الجرافيت الطبيعى و٦٪ من النحاس و٦٪ من النيكل ونحو ١٪ من الليثيوم، وكلها تدخل فى الصناعات الفائقة التطور وصناعات الطاقة والاتصالات والسيارات الكهربائية.
وفى هذا الاطار وفر مشروع الحزام والطوق الذى طرحته الصين من ١١ سنة منصة ملائمة لتمويل مشروعات البنى التحتية فى الدول الأفريقية، واتاحت ملكية الدولة للشركات والبنوك الصينية على السواء ادوات لا تتوفر للغرب لتمويل مشروعات صينية طموحة فى مصر وتنزانيا وإثيوبيا ونيجيريا وأنجولا وموزامبيق وغيرهم تستهدف كلها (فتح شرايين نقل الخامات والتجارة بين الصين وأفريقيا) وبالطبع جاء التمويل بدون مشروطيات وفى اطار احترام اختيارات الدول الأفريقية، وهنا فطن الغرب إلى ضعف موقفه كمنافس للصين فى القارة ودفعته إلى طرح مبادرة أمريكية وأخرى أوروبية مماثلة ومنافسة لمبادرة الحزام والطوق (لم يتضح حتى الان الفوارق بينهما وبين مبادرة الحزام والطوق او مدى امكانية تنفيذها بنجاح) Build Back Better World و Global Gateway Initiative خلال عام ٢٠٢١.
اليوم وبعد ان اختارت الدول الأفريقية وغيرهم فى امريكا اللاتينية واسيا الصين كشريك مريح ويوثق به، تحتاج الشراكة الصينية الأفريقية إلى انطلاقة جديدة تعظم من مكاسب السنوات العشر الماضية وتبنى عليها للمستقبل، لاسيما وان قمة الصين افريقيا تنعقد خلال الفترة من ٤-٦ سبتمبر الجارى ببكين، وقد تتضمن ملامح الانطلاقة الجديدة المجالات الاقتصادية التالية:
• دعوة الصين إلى بدء مرحلة جديدة فى تمويل النشاط الصناعى فى أفريقيا وعلى الاخص التصنيع الزراعى اى نقل تصنيع التكنولوجيات التقليدية إلى القارة فى الوقت الذى ستتحول فيه الصين إلى الصناعات فائقة التطور (ستصدر الصين خلال السنوات القليلة المقبلة ٨٠ مليون وظيفة فى هذه الصناعات التحويلية وتم نقل شق كبير منها بالفعل إلى فيتنام والمكسيك وغيرهما) ومن المؤكد ان أفريقيا تستطيع الاستفادة من هذا التحول التاريخى بالدخول فى مجال التصنيع المشترك مع الصين حيث يتيح هذا لأفريقيا الدخول فى سلاسل الامداد الدولية، وتعظيم القيمة المضافة لصادراتها، خاصة الدول التى تتمتع باتفاقيات تجارة حرة مع تكتلات اقتصادية او سياسية متنوعة.
• دعوة الصين إلى دعم قطاع السياحة فى أفريقيا بتشجيع مواطنيها على اضافة الدول السياحية فى القارة لقائمة اختياراتهم، لاسيما وان عدد السياح الصينيين تجاوز ١٠٠ مليون سائح. ( لا تجتذب افريقيا من مجمل السائحين الصينيين سوى ١% فقط ولا يتوجهون إلا إلى ٣ دول فقط وهى بالترتيب مصر ثم المغرب ثم تنزانيا) ويلاحظ ان الصين اقرت الشهر الماضى خطة طموحة لجذب السياحة العالمية للصين وخففت من قيود تأشيرات الزيارة والسياحة لأكثر من ٥٠ دولة فى مؤشر على اهمية تشجيع السياحة كأحد محركات النمو الاقتصادى.
• تعزيز التعاون فى مجالات التعليم الفنى والمنح الجامعية واتاحة الفرصة للدارسين الأفارقة بالتدريب فى الشركات الصينية لمدة عامين بعد تخرجهم فى الصين، واعطائهم الاولوية فى التوظيف فى الشركات الصينية العاملة فى القارة الافريقية عقب عودتهم.
• تعزيز الشراكات فى مجالات التحول الرقمى والتطبيقات الهاتفية والطاقة المتجددة التى من شأنها زيادة مداخيل الطبقات المهمشة من المجتمعات الافريقية خاصة وان هذا المجال يخلق وبسرعة فرص عمل اكبر من المجالات التقليدية.
• تذليل وتقليل الصعوبات التى تواجه الشركات الصينية فى الدول الافريقية وعلى رأسها التوترات السياسية الداخلية، وتقلبات السياسات، وتقوية القدرات الادارية لموظفى الحكومات الافريقية، واخيراً تخفيض قيمة العملات المحلية بشكل متكرر (حدثت فى اكثر من ١٠ دول أفريقية خلال العامين الأخيرين) وهو ما يضع ضغوطا كبيرة على الشركات الصينية العاملة فى افريقيا اذ لا تحقق الشركات الصينية العاملة فى إفريقياً هوامش ارباح كبيرة حسب تقدير أكاديميين صينيين، ويعمل بعضها بدون ارباح لمجرد اقتسام السوق مع منافسيهم.
• ايجاد ارضية مشتركة لتخفيف عبء الديون وقد شرعت الصين بالفعل فى تنفيذ عدة سياسات كاعادة جدولة الديون وإدخال العملات المحلية كأحد بدائل التبادل التجارى قدر الامكان.
• انشاء آلية اغاثة إنسانية مشتركة ضد الكوارث الطبيعية وعلى الاخص للفيضانات الموسمية وموجات الجفاف، وتعزيز التنسيق فى حالات الاوبئة كما حدث خلال ازمة كوفيد.
اخيرا تمثل الشراكة الصينية مع أفريقيا اطارا للتحالف بين دول تتسق فى سياساتها وتوجهاتها ومصالحها على نحو يجعلها اكثر قدرة على التأثير فى صياغة نمط متوازن للنظام الدولى فى المستقبل.