الاقتصاد العربي بين الاستقرار والتوتر

 

بقلم د عبير فرح
امين عام المنظمة العالمية للاستثمار

تعاني العديد من الدول العربية من أزمات اقتصادية خانقة، تتفاوت في طبيعتها وشدتها، لكنها تشترك في تأثيراتها السلبية على الاقتصاد المحلي والإقليمي. منها لبنان مايمر به لبنان من أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، بدأت بتدهور قيمة الليرة اللبنانية، وتفاقمت مع شح السيولة وانهيار النظام المصرفي. مما أدى إلى تدهور كبير في مستوى المعيشة، و ارتفاع نسبة الفقر إلى مستويات غير معهودة. وعليه نرى المؤسسات التجارية اللبنانية تعاني من تقلص حجم الأعمال وصعوبة الحصول على التمويل اللازم لاستمراريتها، مما أدى إلى إغلاق العديد من الشركات ونقل أخرى لأعمالها إلى خارج البلاد.

كذلك سوريا وبعد سنوات من الصراع، يعاني الاقتصاد السوري من شلل شبه كامل. الدمار الواسع الذي لحق بالبنية التحتية، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، إضافة إلى هجرة الأدمغة ورؤوس الأموال، كلها عوامل أدت إلى تدهور اقتصادي عميق. والمؤسسات التي ما زالت تعمل في سوريا تواجه تحديات كبيرة في الحصول على المواد الأولية والتمويل، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود.

وهنالك العراق: بالرغم من أن العراق يتمتع بثروة نفطية هائلة، إلا أن الاقتصاد العراقي يعاني من مشاكل هيكلية كبيرة، تتمثل في الفساد، البطالة المرتفعة، والبنية التحتية المتهالكة. الأزمات السياسية المستمرة، والانقسام الداخلي، وعدم الاستقرار الأمني، كلها عوامل تعيق جهود الحكومة في تحقيق نمو اقتصادي مستدام. والشركات العراقية، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة منها، تواجه صعوبة في البقاء وسط هذه التحديات، في حين تجد الشركات الأجنبية صعوبة في الاستثمار في بيئة غير مستقرة.

ومثال ليبيا: حالة الانقسام السياسي والصراع المستمر منذ سنوات جعلت من الصعب تحقيق أي نوع من الاستقرار الاقتصادي في ليبيا. كذلك تدهور البنية التحتية ايضا، وانعدام الأمن، واستمرار النزاع على السلطة بين الفصائل المتنازعة، كلها عوامل أدت إلى انهيار الاقتصاد الليبي. فنرى المؤسسات التجارية الليبية تعاني من شلل شبه كامل، مع وجود بعض النشاطات التجارية المحدودة في المناطق الأكثر استقراراً.

على النقيض من تلك الأزمات، تأتي الإمارات العربية المتحدة كنموذج استثنائي في المنطقة من حيث الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي المتواصل. وتعد الإمارات اليوم مركزاً اقتصادياً رئيسياً في المنطقة، حيث تستفيد من موقعها الجغرافي، واستراتيجياتها التنموية طويلة الأمد، والسياسات الاقتصادية التي تشجع على الاستثمار الأجنبي.

وبفضل البيئة السياسية المستقرة والحوكمة الرشيدة، استطاعت الإمارات أن تبني اقتصاداً متنوعاً، يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا، ولا يرتكز فقط على الموارد النفطية. الحوافز الضريبية، تسهيل إجراءات تأسيس الشركات، والاستثمار الكبير في البنية التحتية، كل هذا جعل من الإمارات العربية المتحدة وجهة مفضلة للشركات العالمية والإقليمية على حد سواء.

والأهم من كل ذلك الاستثمار في المستقبل حيث ان الإمارات العربية المتحدة ركزت على الاستثمار في قطاعات المستقبل مثل التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، والفضاء. والمبادرات مثل “إكسبو 2020 دبي” و”رؤية الإمارات 2071″ تعكس الطموحات الكبيرة للدولة في تعزيز مكانتها العالمية. كل هذه الاستثمارات خلقت فرصاً كبيرة للشركات والمؤسسات التجارية، ليس فقط في الإمارات، بل على مستوى المنطقة والعالم.

عدا عن الدور الإقليمي والعالمي كدور محوري تلعبه الإمارات في الاقتصاد العالمي، سواء من خلال كونها مركزاً للخدمات المالية، أو عبر موانئها الجوية والبحرية التي تربط الشرق بالغرب. هذا الدور الاقتصادي يجعلها وجهة جذابة للشركات التي تسعى للتوسع في المنطقة العربية وأفريقيا. أما بما يخص التبعات الاقتصادية على الشركات في بلاد الاغتراب فإن التأثيرات الاقتصادية للأزمات في بعض الدول العربية تمتد إلى الشركات والمؤسسات التجارية في بلاد الاغتراب، خاصة تلك التي تعتمد على أسواق المنطقة أو تدير أعمالاً في الدول المتأزمة. هذه الشركات تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على نشاطها، مع ارتفاع المخاطر وتقلبات السوق.

لذا نرى ان العديد من الشركات باتت مضطرة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، إما من خلال تقليص حجم عملياتها في الدول المتأزمة أو البحث عن أسواق بديلة في دول أكثر استقراراً مثل الإمارات. وللعلم بأن إعادة الهيكلة هذه قد تتضمن نقل المقرات الرئيسية، تعديل نماذج الأعمال، أو حتى إعادة تخصيص الموارد.

لتتمكن الشركات التي تسعى للبقاء في أسواق الدول المتأزمة يجب عليها التكيف بسرعة مع التغيرات المستمرة. وهذا قد يتطلب تعزيز كفاءة العمليات، تخفيض التكاليف، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا لتحسين الإنتاجية وتقليل المخاطر. ولكن دائما هنالك بصيص أمل وتفائل بأوطاننا ونخن من سوف يبنيها في المستقبل . فرغم كافة التحديات التي تمر بها اوطاننا، فإن هناك فرص استثمارية قد تظهر في ظل الأزمات. والشركات التي تستطيع تحمل المخاطر قد تستفيد من استثمارات طويلة الأمد في إعادة إعمار الدول المتضررة، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة.

الخلاصة
أن الوضع الاقتصادي في المنطقة العربية يمثل تحدياً كبيراً للشركات والمؤسسات التجارية، سواء داخل المنطقة أو خارجها. لكني أؤكد أيضاً أن هذه التحديات قد تفتح فرصاً جديدة، إذا ما تم التعامل معها بذكاء واستراتيجية. والشركات التي تستطيع التكيف مع الظروف المتغيرة، واستغلال الفرص المتاحة في أسواق أكثر استقراراً، مثل الإمارات، ستكون في وضع أفضل لتحقيق النمو والازدهارفي كافة مجالات أعمالهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى