الدبلوماسية الصينية ونوع جديد من العلاقات الدولية من خلال بناء رابطة المستقبل المشترك للبشرية
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تعمل الصين على بناء نمط جديد من العلاقات الدولية ورابطة المستقبل المشترك للبشرية. وتلتزم الصين باتخاذ مسار تنمية مختلف عن المسار الذي تتبعه الدول الكبرى التقليدية الأخرى، وتعزيز الإصلاح والانفتاح على التنمية، وتطوير (المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، والسعي للتعاون هو سياسة أساسية للصين). ولا يمكن للصين أن تحقق التنمية والتقدم دون بيئة دولية سلمية ونظام دولي مستقر. تلتزم الصين بطريق التنمية السلمية، وتسعى إلى إقامة تعاون ودي يتسم بـ “المنفعة المتبادلة والفوز المشترك على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي”. إن سياسة الصين الخارجية المستقلة والسلمية تعني اتباع طريق التنمية السلمية بثبات، ومعارضة عقلية الحرب الباردة، ومعارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومعارضة المعايير المزدوجة.
فالدبلوماسية الصينية لم تسع قط إلى الهيمنة، ولن تنخرط أبدا في التوسع الخارجي. والصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي كتبت في دستورها “الالتزام بطريق التنمية السلمية”، وتشارك بنشاط في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام والعمليات الدولية للحد من الأسلحة ونزع السلاح، وتلتزم ببناء عالم ينعم بالسلام الدائم. وذلك عبر إنتهاج سياسة خارجية سلمية مستقلة (حماية السيادة الوطنية والأمن والمصالح التنموية، ومعارضة كافة أشكال الهيمنة وسياسة القوة). وتدافع الصين بقوة عن قيادة الحزب الشيوعي الصيني ونظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتعارض القيادة الصينية بحزم أي سلوك يدعو إلى “إستقلال تايوان”، مع رفض الصين بشكل قاطع التدخل في الشؤون الداخلية من القوى الخارجية، ودبلوماسية الصين. تعمل بثبات على (تعزيز الإجماع الدولي على مبدأ الصين الأول).
كما تعمل الدبلوماسية الصينية بشكل ثابت على تنفيذ سياسة “دولة واحدة ونظامان” في حين تدعو إلى دخول قانون الأمن القومي لهونغ كونغ حيز التنفيذ.
لقد كشفت الدبلوماسية الصينية في العصر الجديد كل الأكاذيب الأمريكية والغربية بالواقع والحقيقة، كما أحبطت القيادة السياسية الصينية كل المخططات السياسية لبعض القوى الغربية والأمريكية “لاستخدام منطقة شينجيانغ للسيطرة على الصين”.
وهنا، التزمت الصين بمسار تطوير حقوق الإنسان، مع عدم قبولها مطلقًا للأوامر الاستبدادية لأي قوى أخرى. كما عارضت الدولة الصينية بشدة تسييس قضايا حقوق الإنسان في الصين، دبلوماسياً وفي المنتديات الدولية. وفي الأمم المتحدة، أعربت ما يقرب من ١٠٠ دولة، من بينها مصر، عن دعمها لموقف الصين العادل، وعارضت التدخل في شؤون الصين الداخلية تحت ذريعة حقوق الإنسان، كما أعربت أكثر من ٨٠ دولة عن معارضتها “لتسييس قضية حقوق الإنسان”. جائحة كورونا” (كوفيد-١٩).
وفى السنوات الأخيرة، منذ إنعقاد (المؤتمر الوطنى الثامن عشر للحزب الشيوعى) فى نوفمبر ٢٠١٢، شهدت الدبلوماسية الصينية تطوراً كبيراً فى ظل وضع عالمى مضطرب. وهنا، طرحت الصين دبلوماسية “بناء رابطة المستقبل المشترك للبشرية”، وحققت مبادرة الحزام والطريق إنجازات أولية، وتقدمت “دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية” بشكل شامل. كما زاد نفوذ الصين في العالم. لقد أثبتت الحقائق أن الصين تعمل على توسيع مسارات التحديث للدول النامية وتعزيز حكمة الصين ومشروعها في معالجة مشاكل الإنسانية. وقرر المؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصينى، الذي عقد فى أكتوبر ٢٠١٧، أن “الإشتراكية ذات الخصائص الصينية قد دخلت العصر الجديد”، وطرح السياسة الأساسية للحكم، ووضع خطة التنمية في الصين للسنوات الثلاثين المقبلة. وفى تقرير (المؤتمر الوطنى التاسع عشر) للحزب الشيوعى الصينى، رفع الرئيس الصينى “شى جين بينغ” عالياً راية “السلام والتنمية والتعاون والربح للجميع”، وأوضح أهمية دبلوماسية القوى الكبرى ذات الخصائص الصينية فى دفع العلاقات الدولية الجديدة وبناء رابطة المستقبل المشترك للبشرية. وهذا يعكس أفكار الحزب الشيوعى الصينى فى بناء مصير البشرية ومسؤوليتها عن تحقيق السلام والتنمية العالميين.
وفى عام ٢٠٢٣، حققت (دبلوماسية الدول الكبرى ذات الخصائص الصينية) فى الشرق الأوسط نتائج مثمرة، وتركت العديد من اللحظات الرائعة، وضخت الثقة والزخم من أجل السلام والمصالحة والوئام في المنطقة. لقد حققت دبلوماسية القمة التى تنتهجها الدولة الصينية آفاقاً جديدة. وفى عام ٢٠٢٣، إستقبل الرئيس “شى جين بينغ” قادة من (إيران، فلسطين، الجزائر، موريتانيا، سوريا، الكويت، مصر)، ودول الشرق الأوسط الأخرى فى الصين على التوالى، للتشاور حول سبل التعاون ووضع خطط للعلاقات الثنائية. وبتوجيه من دبلوماسية القمة، يتم تعزيز الثقة الإستراتيجية بين الصين ودول الشرق الأوسط بإستمرار، وتتطور العلاقات بين الجانبين بشكل شامل وسريع ومتعمق، مما يظهر السمات الجديدة للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط فى العهد الجديد، ويدفع التقارب بين الجانبين، ويفتح آفاقاً واسعة لهذه العلاقات. وتحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية كبيرة في السياسة الخارجية الصينية. تعد منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق في العالم التي توليها الحكومة الصينية إهتماماً كبيراً وتربطها علاقات إستراتيجية وثيقة، برزت فى حجم وطبيعة التعاون السياسى والإقتصادى والتجارى والثقافى والتكنولوجى بين الصين ودول المنطقة.
وتعد (دبلوماسية الأزمات) التى تنتهجها الصين أحد أبرز مكونات السياسة الخارجية الصينية، خاصةً تجاه منطقة الشرق الأوسط، حيث تقف الصين كصديق مخلص ووفى، وتقدم كل الدعم والمساعدة فى مختلف الأزمات بمختلف أنواعها، مما يترك أثر جيد وينعكس إيجابياً ليس فقط على مستوى العلاقات الرسمية، بل أيضاً على مستوى (العلاقات الشعبية). ويلعب الموقع الجيوسياسر للشرق الأوسط دوراً مهماً فى تنامى أهمية المنطقة بالنسبة للصين، فى ظل سيطرة الشرق الأوسط على أهم الممرات الملاحية والتجارية، بإعتباره محوراً أساسياً فى الإستراتيجية الصينية، ومحوراً أساسياً فى الإستراتيجية الصينية، كرأس حربة هامة فى سياستها الخارجية، لإعادة تشكيل النظام الإقتصادى الدولى، وما يمكن أن يترتب على ذلك، من إعادة صياغة النظام الدولى ككل، كل هذا وأكثر، جعل الصين حريصة على إدراج دول المنطقة في مختلف التجمعات والآليات التى تتبناها وتقودها، وأبرزها مبادرة “الحزام والطريق” التى تبنتها جميع الدول تقريباً. وإنضمت إليها دول المنطقة، وكذلك مجموعة “البريكس” التى إنضمت إليها مصر مؤخراً، مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، إضافةً إلى الأرجنتين وإثيوبيا، ومن المتوقع أن تنضم دول أخرى فى المنطقة. على أنه سيتم تضمين المنطقة فى هذا التجمع، بالإضافة إلى إنضمام مصر وتركيا كـ “شركاء الحوار” فى منظمة شنغهاى للتعاون (SCO) ومنتدى التعاون العربى الصينى، بالإضافة إلى دعم دول الشرق الأوسط من أجل التنمية العالمية والأمن العالمى، والمبادرات الحضارية العالمية التى طرحها الرئيس الصينى “شى جين بينغ”.