طلبات الانضمام لمجموعة بريكس ترتفع في انتصار جديد لروسيا والصين
ماليزيا وتايلندا تعلنان عزمهما التقدم لعضوية التكتل والخطوة تبرز صعوبة عزل أميركا لموسكو وبكين
في مقابلة مع وسائل الإعلام الصينية قبيل زيارة “لي” إلى ماليزيا، أعلن رئيس الوزراء أنور إبراهيم عن عزمه على تقديم طلب للانضمام إلى التكتل بعد تضاعف حجمه العام الجاري عبر جذب دول الجنوب العالمي، جزئياً من خلال عرض إمكانية الحصول على التمويل، وكذلك عبر إتاحة منبر سياسي مستقل عن نفوذ واشنطن.
كما أعلنت تايلندا، حليفة الولايات المتحدة، في الشهر الماضي عن سعيها للانضمام إلى “بريكس”، التي سُميت تيمناً بالأحرف الأولى للدول الأعضاء البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وقال وزير الخارجية، ماريس سانغيامبونغسا، للصحفيين الأسبوع الماضي إن التكتل “يمثل إطار تعاون بين دول الجنوب، ولطالما رغبت تايلندا في الانضمام إليه”.
“بريكس” ملاذ من سطوة الغرب
ترى الدول الساعية إلى الحد من المخاطر الاقتصادية الناجمة عن احتدام المنافسة الأميركية الصينية أن الانضمام إلى “بريكس” يمثل فرصة لتجاوز بعض تلك التوترات، كما أنه يُعتبر أيضاً وسيلة للتعبير عن الإحباط المتزايد من النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والمؤسسات الكبرى التي ما تزال قوى الغرب تسيطر عليها بشكل راسخ، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
قال وزير خارجية ماليزيا السابق، سيف الدين عبدالله، في حوار: “يرى بعضنا، ومنهم أشخاص مثلي، أن علينا إيجاد حلول للبنية المالية والاقتصادية الدولية المجحفة. ولذلك؛ ستكون (بريكس) إحدى السبل لموازنة بعض الأمور على الأرجح”.
قمة السلام الأوكرانية
بالنسبة لبوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، يوضح الاهتمام بـ”بريكس” أيضاً نجاحهما في التصدي لمحاولات الولايات المتحدة وحلفائها الرامية لعزل الدولتين على نطاق أوسع بسبب الحرب في أوكرانيا، والتهديدات العسكرية لتايوان والفلبين وكوريا الجنوبية واليابان.
بذل رئيس أوكرانيا، فولوديمير زلينسكي، جهوداً لإقناع الدول الآسيوية بدعم قمة السلام التي دعا إليها وأُقيمت في سويسرا في وقت سابق من هذا الشهر. وعلى الجانب الآخر، أبرم بوتين اتفاقية دفاع مع كوريا الشمالية الأسبوع الجاري، بينما حذّر من أن لديه الحق في تسليح خصوم الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
المنتدى الذي ضم 5 دول فقط لسنوات، زاد عدد أعضائه بانضمام إيران والإمارات وإثيوبيا ومصر في يناير الماضي. وذلك بعد الحملة التي قادتها الصين بشكل كبير وسط سعيها إلى زيادة نفوذها على الساحة العالمية.
طلبات الانضمام إلى “بريكس”
اعتُبرت إندونيسيا، الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا أيضاً، من أوائل المرشحين المفضلين للانضمام في العام الماضي، قبل أن يشير الرئيس جوكو ويدودو أنه لن يُدفع إلى اتخاذ القرار دون دراسة وافية.
مع ذلك، استمر زخم ضم أعضاء جدد، فرغم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وأوروبا لمنع الدول من التعامل مع روسيا، حضر ممثلو 12 دولة من غير الأعضاء مؤتمر “حوار بريكس” الذي أُقيم في روسيا الشهر الجاري، ولم تقتصر هذه الدول على الخصوم القدامى للولايات المتحدة فحسب، مثل كوبا وفنزويلا، بل كان من بينها دول مثل تركيا ولاوس وبنغلاديش وسريلانكا وكازاخستان.
اهتمام فيتنام بالانضمام للمجموعة
كان من ضمن الحاضرين أيضاً فيتنام، التي رفعت مستوى العلاقات مع واشنطن في العام الماضي، في خطوة اعتُبرت مقاومة لنفوذ بكين المتنامي في المنطقة، حيث تتابع هانوي تقدم المنظمة “باهتمام بالغ”، على حد وصف شبكة الإذاعة الحكومية “فويس أوف فيتنام” (Voice of Vietnam) الشهر الماضي.
قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، فام ثو هانغ، في ذلك الحين: “فيتنام مستعدة دوماً للمشاركة والإسهام بشكل قوي في الآليات العالمية والإقليمية متعددة الأطراف”.
استقبلت فيتنام الرئيس الروسي الأسبوع الجاري، رغم الاعتراضات الشديدة من الولايات المتحدة على أساس أنه “لا يجب على أي دولة أن تعطي بوتين منبراً للترويج لحربه العدوانية” في أوكرانيا. وتربط بين فيتنام وروسيا علاقات يعود تاريخها إلى الحرب الباردة وحقبة الاتحاد السوفييتي.
وفي البيان المشترك الذي صدر في ختام محادثاتهما، رحبت روسيا بمشاركة فيتنام في الحوار الذي أُقيم في وقت سابق من هذا الشهر، وقالت إنها “ستواصل توطيد العلاقات بين دول (بريكس) والدول النامية، ومن بينها فيتنام”.
لم يتضح القدر الذي استحوذت عليه “بريكس” في محادثات بوتين خلف الأبواب المغلقة في فيتنام، رغم تعهد الدولتين بتعزيز التعاون في مجالي الدفاع والطاقة. فيما استغل “لي” زيارته إلى ماليزيا في توطيد العلاقات التجارية والاقتصادية وتطوير إنشاء مشروعات كبرى.
التصدي لجهود عزل روسيا
بعد توسعها العام الجاري، تعتزم “بريكس” دعوة دول غير أعضاء للمشاركة في قمتها القادمة المُقامة في مدينة قازان الروسية في أكتوبر. فمجرد استضافة المؤتمر يتيح لموسكو فرصة لأن تثبت للعالم أن المعارضة الغربية للحرب في أوكرانيا لم تنجح في عزلها تماماً.
قال سكوت مارسيل، سفير الولايات المتحدة السابق في إندونيسيا وميانمار ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان): “لا يخفى أن واشنطن تكره (بريكس)، بالأخص مع عضوية إيران وروسيا فيها”.
وأضاف أن في نفس الوقت، كلما توسع التكتل، قلّ احتمال التوصل إلى إجماع آراء حول القضايا المهمة. وتابع: “في رأيي، لن ترحب واشنطن بخطوة تايلندا وماليزيا نحو الانضمام للتكتل، لكني لا أتوقع أن يسفر ذلك عن رد فعل كبير”. ولم يرد مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية مباشرة على طلبات التعليق.
قروض بنك التنمية الجديد
لا تقتصر المنافع المتوقعة من الانضمام إلى “بريكس” على الأوضاع الجيوسياسية فحسب، حيث وافقت الدول الأعضاء بالتكتل على جمع احتياطيات بالعملة الأجنبية قدرها 100 مليار دولار، والتي يمكن أن تقرضها لبعضها بعضاً خلال حالات الطوارئ.
كما أسست المجموعة “بنك التنمية الجديد” (New Development Bank)، وهو مؤسسة مالية على غرار البنك الدولي، الذي وافق منذ بدء نشاطه في 2015 على قروض بنحو 33 مليار دولار توجّه بشكل أساسي إلى مشروعات المياه والنقل والمواصلات ومشاريع البنية التحتية الأخرى.
سيصبح مجمع الاستثمار هذا نافعاً في جنوب شرق آسيا، حيث انخفض التمويل الحكومي للتنمية إلى أدنى مستوى عند 26 مليار دولار في 2022، وفق تقرير أصدره مركز “لوي إنستيتيوت” (Lowy Institute) للأبحاث – ومقره في سيدني- الشهر الجاري.
علاقات ودية مع جميع الأطراف
أشار سيف الدين عبد الله، وزير خارجية ماليزيا السابق، إلى أن هناك عامل جذب آخر للعضوية في “بريكس”، ألا وهو بقايا المشاعر السلبية تجاه مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، الذي ضغط لتطبيق إجراءات تقشفية أُلقى عليها اللوم أحياناً بالمنطقة في التسبب في تفاقم الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المالية الآسيوية التي وقعت أواخر التسعينيات.
إلا أن واشنطن لا تقف مكتوفة الأيدي، حيث وطدت علاقاتها الأمنية بالمنطقة في مجالات مثل مكافحة الإرهاب، ومع دول مثل فيتنام والفلبين، فيما تتزايد مخاوف البلدين من النزاع مع بكين في بحر الصين الجنوبي. لكن مع احتدام المنافسة على دور القوة العظمى بشكل عام، تدرك المنطقة أيضاً أنها بحاجة إلى حماية رهاناتها.
أونغ كنغ يونغ، الأمين العام السابق لرابطة “آسيان”، قال في مقابلة “مجال المناورة أمام الدول الصغيرة يتراجع باستمرار”، و”تشير الدول عبر انضمامها إلى منظمات مثل (بريكس) إلى رغبتها في الاحتفاظ بعلاقات ودية مع جميع الأطراف، لا مع الولايات المتحدة وحلفائها فقط”.