الرياض ودوشنبه: شراكة في قضايا المياه
بقلم: شهلاخان مراد علي
باحثة في قسم الشرق الأوسط والأدنى بمعهد دراسة قضايا بلدان آسيا وأوروبا لدى الأكاديمية الوطنية للعلوم في طاجيكستان
خلال الفترة 10-13 يونيو 2024م اصبحت عاصمة جمهورية طاجيكستان مدينة دوشنبه محط أنظار المجتمع الدولي باستضافتها المؤتمر الدولي الثالث الرفيع المستوى بشأن المياه، وتحدث في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان وهو صاحب المبادرات الأممية الخمس بشأن المياه والمناخ والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن مؤتمر دوشنبه هذا ينعقد في إطار مبادرة فخامته الرابعة – العقد الدولي للعمل “الماء من أجل التنمية المستدامة، 2018-2028”.
ومن أهم ما تمخض عن عملية دوشنبه للمياه هو اقتراح رئيس طاجيكستان إعداد مشروع قرار الأمم المتحدة بالاشتراك مع شركاء التنمية للعقد الدولي للعلوم القطبية وعلم الجليد (هي المبادرة الأممية السادسة لفخامته) والهدف منه تفعيل التعاون الدولي من أجل إيجاد السبل الكفيلة بحماية مخزون الجليد في القطب الشمالي وأنحاء العالم كمصدر للمياه تحقيقاً للأمن المائي، حيث أن قرابة نصف سكان المعمورة (4.2 مليار نسمة) يعانون من نقص المياه الصالحة للشرب وهذا العدد، للأسف، في تزايد مطرد.
وقد أقيم في إطار عملية مياه دوشنبيه 9 منتديات، منها منتدى البرلمانيين، ومنتدى حماية الأنهار الجليدية، ومنتدى المرأة والمياه، ومنتدى القطاع الخاص، والمنتدى الأفريقي للمياه، ومنتدى الشباب والمراهقين، ومنتدى المنظمات الإقليمية، ومنتدى العلوم والتكنولوجيا ومنتدى آسيا الوسطى و5 حوارات تفاعلية و15 حدثاً جانبياً، بما فيه مهرجان المياه والأنهار الجليدية.
وقد شاركت في أعمال المؤتمر وفود من أكثر من 100 دولة عضو في الأمم المتحدة وممثلي 62 منظمة دولية وإقليمية ومؤسسة مالية دولية. ومما يبعث على الارتياح والاعتزاز أن المملكة العربية السعودية الشقيقة كانت حضرة وبقوة في مؤتمر دوشنبه للمياه بوفد رفيع المستوى ترأسه معالي وزير البيئة والمياه والزراعية المهندس عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي، مما يدل على الأهمية القصوى التي تبديها القيادة العليا في المملكة بقضايا المياه من ناحية، وبتنمية العلاقات الثنائية والمتعددة مع طاجيكستان.
وحظيت مشاركة الوفد السعودي في المؤتمر بتغطية إعلامية واسعة، حيث تصدرت أخبار وقائع الزيارة والمشاركة عناوين الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية التي نشرت مقتطفات من فحوى مداخلات رئيس الوفد ومقابلاته مع كبار المسؤولين في طاجيكستان، وفي مقدمتهم فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان الذي استقبل رئيس الوفد وقال مرحباً به “إن حضوركم مؤتمر دوشنبيه الثالث للمياه دليل آخر على الاهتمام الدائم الذي توليه القيادة العليا في المملكة بتعزيز العلاقات المتعددة الأوجه مع طاجيكستان”.
وتم خلال المقابلة بحث موضوعات التعاون المتعدد الأوجه بين البلدين الشقيقين، منها الموضوعات المتعلقة بالمياه والمناخ والبيئة وتنفيذ برامج ومشاريع استثمارية في المجالات الواعدة مثل الزراعة والصناعة، وخاصة الصناعات الخفيفة والغذائية مع إبداء اهتمام خاص بتصدير بعض المنتجات الزراعية من طاجيكستان إلى المملكة العربية السعودية. كما تمت الإشادة بتسيير رحلات جوية مباشرة بين البلدين كعامل مؤثر في تنمية العلاقات الثنائية، منها السياحة والتجارة.
وصرح معالي الوزير السعودي عقب اللقاء لوسائل الإعلام بأنه بحث مع فخامة الرئيس موضوعات المياه والمناخ التي تتضمنها الأجندة العالمية، مؤكداً :”أننا اليوم في ظرف دقيق نواجه مشكلة الأزمة المتعلقة بالمياه، لذا أبدينا مع فخامة رئيس جمهورية طاجيكستان بالغ الاهتمام بمعالجة هذه المشكلة وشكرنا فخامته على رفع هذه المشكلة إلى مستوى جديد. وذكر أنه برعاية صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية قد تم تأسيس المنظمة العالمية للمياه في المملكة، وأن الجانب السعودي في هذا المجال يأمل بتعاون متبادل مفيد مع جمهورية طاجيكستان.
وجدير بالذكر أن تأسيس المنظمة العالمية للمياه في الرياض برعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حدث في غاية من الأهمية ومشاركة طاجيكستان النشطة لكونها صاحبة تجربة كبيرة ورائدة في مجال المياه في مهام هذه المنظمة من شأنها أن تفتح أفقاً جديداً للتعاون بين البلدين الشقيقين وأن تكون بداية شراكة واقعية بين دوشنبيه والرياض في قضايا المياه تنصب في مصلحة دول العالم أجمع.
كما كانت من الأهمية بمكان مشاركة معالي رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية الدكتور محمد بن سليمان الجاسر الذي التقى فخامة الرئيس إمام علي رحمان رئيس جمهورية طاجيكستان وعلى هامش المشاركة تم توقيع اتفاقية سيخصص البنك بموجبها 150 مليون$ للمساهمة في استكمال مشروع روغون الكهرومائي، علماً بأن المملكة العربية السعودية كانت أول دولة مانحة بتقديم 100 مليون$ من خلال الصندوق السعودي للتنمية لهذا المشروع الاستراتيجي الذي يعتبر من أكبر مصادر طاقة متجددة في المنطقة وسوف يخدم بعد الإنجاز بالكهرباء المنتج فيه لمصلحة دول وسط وجنوب آسيا.