بيان 1 ماي : د/ ليلى الهمامي: « من اجل عقد اجتماعي بديل »
يحيي الشعب التونسي اليوم مع كافة شعوب العالم يوم غرة ماي عيد الشغالين. الاكيد ان الحركة النقابية في بلادنا خاضت كل المعارك من اجل التحرر الوطني والرقي الاجتماعي عبر مختلف مراحل تاريخ تونس الحديث. وكانت الحركة النقابية الشريك الفاعل للحركة السياسية في معركة التحرر الوطني.
واليوم ونحن في مفترق الطرقات وسط أزمة عالمية وأزمة وطنية مركبة ومتداخلة مع الاوضاع العالمية والاقليمية المتقلبة وغير المستقرة، نحتاج لمقاربة جديدة تهدف الى تحقيق عقد اجتماعي بديل من اجل التقدم والرقي لا فقط للطبقة العاملة بل لعموم المجتمع، إيمانًا منّا بأن المجتمع الذي يعلي شان العمل هو بالضرورة مجتمع مرشح لاعلى مراتب التقدم والازدهار .
ولأن مواجهة الواقع بامراضه يحتاج الكثير من المبدئية والشجاعة والوضوح فانني اطرح ما يلي:
1) ان يكون العمل النقابي خارج مجال الايديولوجيا والسياسة وان كل خلط بين العمل السياسي والعمل النقابي لن يقود الا الى ازمات مجانية.
ذلك أن تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل يؤكد ان انحراف النقابات عن دورها الاجتماعي لم ينتهي الا الى صدمات وتازمات داخل هياكل الاتحاد…
لذلك من الضروري الفصل وظيفيا بين الاحزاب السياسية والنقابات. فالنقابة لا تستند الى شرعية تؤهلها لاداء دور سياسي. كذلك المواقف السياسية المسكونة بذائقة ايديولوجية معينة لا يمكن ان تحسب الا على تسلط القيادة النقدية على الطبقات والشرائح والفئات الاجتماعية التي من المفروض انها تمثلها.
2) ان العقد الاجتماعي البديل يؤكد ويثمّن دور النقابات كشريك في عملية البناء الاقتصادي والمجتمعي وان نجاح اي مخطط تنموي وارسال اي منوال اقتصادي يحتاج الى تعاقد اجتماعي واسع يضمن السلم الاجتماعي الضروري للاستثمار وخلق الثروه.
في هذا السياق اطرح اعادة بعث المجلس الاقتصادي والاجتماعي كهيكل استشاري ضروري لابداء الراي في القضايا الاقتصادية والاجتماعية
3) ان الواقع الاجتماعي في بلادنا اليوم يدعو حقيقة وواقعا الى الانشغال وذلك انطلاقا من معاينات تستند الى ارقام رسمية تؤكد ان المجتمع التونسي يعبر مرحلة دقيقة ووشيكة تهدد وجوده ماديا.
وبالفعل فان اخر الارقام تؤكد ان الازمة في تونس تستفحل وتتعمق في ظل غياب الادنى المشترك بين مكونات الساحة السياسية والاجتماعية.
وبالفعل فان نسبة الفقر في تونس بلغت مستوى 16.6 % . هذا الرقم يتقاطع ويضاف الى معطى الجهل، حيث تؤكد الاحصاءات ان مستوى الفقر داخل الاسر التي تتالف من رب اسرة بمستوى تعليمي ضعيف تصل الى 20%.
وليس من باب المصادفة ان تتقارب هذه الارقام مع نسبة الامية والجهل التي تدرك في المعدل العام مستوى 17.7 % .
لا يمكن ان نكون في إطار اقتصاد تنافسي اذا لم يكن مستوى التعليم والتاطير داخل المجتمع وداخل المؤسسات الاقتصادية المنتجة عاليا وجيدا. وتلك قضية ذات علاقة مباشرة بالاشكال الهيكلي للبطالة في بلادنا. فالاستثمار لا يمكن ان يكون معزولا عن جملة من المحفزات.
وفي حين يستعيد الاقتصاد العالمي انفاسه بمعدلات نمو متدرجة، فان مستوى البطالة لدينا يشهد قفزة ليبلغ 16,4%… رقم متوقع على الرغم من انه مؤسف اذا ما اعتبرنا ان نسبة النمو في تونس لسنه 2023 كانت في مستوى 0.4%.
4) ان تونس بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وبطبيعة مجتمعها مؤهلة لتحقيق قفزة نوعية في اتجاه التاقلم مع محددات الاقتصاد العصري ومراجعة النموذج الاقتصادي نحو معادلة حيوية بين حرية الاستثمار والعدالة الاجتماعية.
5) ان العلاقة بين الاجور المتدنية وسياسة التعويض للمواد الاساسية فقدت كل رهينية، بما ان السلطة انتهجت السنوات الاخيرة سياسة الرفع التدريجي المقنع لدعم المواد الاساسية وهو خيار يحتاج ضرورة مراجعة سياسة الاجور. حيث يعتبر مستوى التاجير في تونس من اضعف المستويات في العالم العربي اذ يبلغ متوسط الاجور في تونس ما يعادل 277 دولار اي ما يناهز 800 دينار تقريبا. بينما يعلم جل الخبراء ان الحياة الكريمة داخل الاسرة التونسية، ضروري ان يؤمنها اجر لا يقل عن 4000 دينار.
إن تصوراتي للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يراهن على معركة كسب المستقبل وفتح افق جديد لشعب طموح محبّ للحياة.
إن من ابشع المشاعر ان تنتمي الى وطن يكون أملك الوحيد فيه هو أن تغادره.
الدكتورة ليلى الهمامي
مرشحة الانتخابات الرئاسية
تونس 2024