سميحة المناسترلى تكتب : الدراما ودورها لكسب معركة الوعى والإنتماء

 

القاريء العزيز .. قد يتساءل البعض هل الدراما وحدها المسئولة عن نشر الوعي والحث على الانتماء ؟، سأترك الإجابة للسان حال واقعنا الأليم الذى نعيشه اليوم، مع إنعدام الوعي والتدهور الثقافي والإعلامي، والتعليم بهذه الصورة السريعة خاصة في العقود الأخيرة، حيث أصبحت الفنون والدراما هما السلاح الفعال لإختراق العقل والوجدان بمنتهي اليسر والسهولة في ظل غياب باقي العناصر مجتمعة، لن أدخل في تفاصيل قد خضت فيها وكل قلم وفكر مصري مهموم، راصدون ما يحدث من تراجع واضح، من إتساع الفجوة بين الأجيال، وتراجع الشريحة المثقفة والنخبة المخضرمة من الساحة، أمام جحافل من مدعي الإبداع والثقافة، في ظل هجوم اللجان الاليكترونية، وتطبيقات الذكاء الإصطناعي الذي لا يدخر وسعا لمحو هويتنا المصرية والعربية ومشاعر الإنتماء، هذا في ظل مطالبة كل مهموم بقضايا الوطن بالإنتباه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بينما ما حدث كان العكس تماما فالتيار جارف، مما أدى إلى نتائج كارثية وتداعي لبعض دول الجوار القوية صاحبة التاريخ الراسخ، ولا ننكر أن هذا أضعف باقي جسد المنطقة العربية للأسف، وتلك كارثة مصيرية كما نعلم جميعاً.

لا عليك ايها القارئ والصديق, دعنا نتحدث ببساطة شديدة لتوضيح المغزى والهدف من هذه المقدمة الجافة، خاصة بعد توديعنا لشهر رمضان وإعلاناته ومسلسلاته – الترفيهية- وهنا “بيت القصيد”.

كلنا نعلم أننا في خضم حرب ضروس، اعتمدت على الإنترنت و التقنيات الحديثة، فالحروب تعتمد على أدوات أساسية، وعناصر لا تتغير مهما تغير الزمن، منها بالتأكيد الأسلحة التقليدية والتى تتطور مع معطيات العصور، أيضا الهجوم والمباغته وغير ذلك من عناصر قتال .. لكن كان وسيظل هناك عنصر تمهيدي خطير وهو دراسة المناخ والأرض المراد غزوها، ودراسة نفسية الشعب ومدى ثقته في قيادته وحاكمه، ولاء الجنود للقيادات وثقتهم العظيمة بهم، ومدى تمسكهم بالدفاع والتضحية في سبيل الحفاظ على أرضهم، زرع جواسيس لجمع بيانات عن ما يتوفر من فائض غذائي اذا ما دخلوا حرب، وحساب قدرتهم على الصمود أمام حرب العطش أو التجويع، بناء على هذه الإحصائيات يبدأ المهاجم في وضع خطته والتى تكون أول مرحلة فيها –أهم مرحلة وأخطرها- هي استخدام الشائعات والتلاعب بعقول ونفسية المجتمعات المراد تدميرها، ببث الفتن بدهاء وخلخلة المجتمع وهو مايسمي بالدور الإعلامي الذي يتحكم فيه اليوم الإنترنت والذكاء الإصطناعي، ثم معركة التشكيك وكسر المعنويات، ونشر الاحباط، ومحاولات التسلل لوجدان الشعوب لتفقد إيمانها بقوتها وتاريخها، والثقة بقيادتها وأن الغد ليس لهم، وهنا يأتي دور تمكين الضعفاء والفسدة من المناصب الهامة عن طريق مخالب لهم للتحكم واستبعاد النخب التى تمتلك الوعي الحقيقي، والمفكر المهموم بقضايا الوطن، لأنهم يمتلكون القدرة على التوجيه الحقيقي للإنتماء من خلال الكلمة والفكرة والإبداع الفني والثقافي، ونشر الوعي الإنساني والمجتمعي الوطني.

هل المقصود هنا القوة الناعمة كما نعرفها بكل عناصرها ؟، نعم بالطبع ولكننا اليوم وفي هذه المرحلة الحرجة التى نمر بها – بعد اختراق كيانات كثيرة ممن حولنا – علينا التمسك بالعنصر الأكثر قدرة على التأثير، وهو عنصر الفن والدراما حيث نلمس تحول مؤسف فعلياً فيما يقدم من تفاهات، وبث كل ما ينتج عنه تسطيح للعقول وإسقاط القيم وتخبط المعارف والمفاهيم، خاصة مع انتشار المنصات بلا تحكم، وقدرة على الرقابة أو المنع، وهي معركة شرسة وقد تبدو غير متكافئة ظاهريا، لكننا قادرون على هزيمة الفكر بالفكر فهي معادلة واضحة .

فلو استطعت أن تنشر فكرك من خلال انتاج قوي كما حدث مع بعض المسلسلات الرمضانية هذا العام، مثل “الحشاشين” و ” جودر” و “دون سابق انذار” و “صلة رحم” و أعلى نسبة مشاهدة” وغيرهم مما حققوا نجاحات محترمة أفرزوا جيل جديد من المبدعين الشباب من ممثلين وسيناريست ومؤلفين ومخرجين وغيرهم، لقد احترموا فكر المشاهد بتقديم قضايا هامة تحث المواطن على البحث والسؤال و التفكير، وتحريك العقول الراكدة والتى مسحت من خلال تغذيتها بما يسمى برامج ودراما “ترفيهية” لاتقدم سوى فكر سلبى وتفاهات لسنوات عديدة .

أمامنا أمل كبير أتمنى أن يتبعه تخلص من نوعيات إنتاج رديئة أو موجهة حتى يتم تراجع لفئات مدعي الفن والطرب الهابط، الموجه لمحو هويتنا الأصيلة من لغة مشوهة وقيم ساقطة وأفكار تدعو لإنهيار المجتمعات، من خلال موجات تنشر التفاهة واللامنطقية، وينتج عنه تخلف عقلي – تأثيراته أخطر من الأدمان على الجيل الحالي – أيضا سيتبعه تراجع لمدعي الإبداع من شعراء، ولأقلام خاوية الفكر والمفاهيم الصحيحة، والذين توغلوا داخل القوة الناعمة في غفلة منا .

إن الاستثمار في تقديم فن حقيقي يحافظ على بنية المجتمع والهوية الأصيلة، هو بمثابة حائط صد منيع غير قابل للاختراق، الأدب والفنون والإبداع طرق سهلة محبوبة وممهدة لتغذية “وجدان” المجتمع، حينها تمتلك الدولة دفاعان ظهيران لبعضهما البعض، فتضاعف قوى الدولة، حيث تكون القوى الناعمة المتلاحمة بمثابة صاروخ “يربك” مخطط أي عدو مهما كانت قوته، بينما الفنون والدراما الفاسدة الموجهة، المحبطة التافهة هي – والعياذ بالله- رصاصات موجهة لعقولنا ولفكر أولادنا، فوراء كل انتصار بداية وعي عظيم .. فلا تقبل أن تكون “رقم” يزيد عدد مشاهدات تهزم فكرك وتتلاعب بعقل أولادك، جهاز التحكم تحت يدك والقرار ملكك، لا تكن أداة في يد عدوك وشارك في نشر الوعي، تحيا مصر وحفظ الله الوطن .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى