رؤية الرئيس الصينى (شى جين بينغ) فى دعم تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى الداخل الصينى والخارج
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
جاءت رؤية الرئيس الصينى (شى جين بينغ) بشأن أهمية (القوة السيبرانية) فى تحقيق التفوق الإقتصادى والعسكرى، وتعهده بدعم التعاون التكنولوجى بين الدول الأعضاء فى تجمع دول “البريكس”، وذلك خلال إفتتاحه (الدورة التاسعة لتجمع البريكس) فى مدينة شيامين الصينية. كما جاء تشجيع الرئيس “شى جين بينغ” للشباب على طرق أبواب التكنولوجيا المتقدمة لتحقيق الريادة العالمية للصين فى شتى المجالات، لذا نلاحظ إسهام الباحثين الصينيين بأكثر من ألف ورقة بحثية، تتعلق بمجالات وتقنيات الذكاء العام الإصطناعى بين عامي ٢٠١٨ و ٢٠٢٤. كما جاءت توجيهات الرئيس (شى جين بينغ) بأن تتخذ الصين نهجاً أكثر شمولية، من خلال تغلغل وإختراق التكنولوجيا فعلياً فى جميع طبقات المجتمع الصينى، ومع تقدم تكنولوجيا القرن الحادى والعشرين، أصبحت الأساليب الرقمية للرقابة والمراقبة والرقابة الإجتماعية جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الصينى، حيث إستفادت حكومة من تقدم تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى كأداة للحفاظ على قوة الدولة وتوسعها وتمكينها. كما دفع مدى الإهتمام الصينى بالذكاء الإصطناعى، إلى ظهور منتجات صينية يومية تستخدم تقريباً هذه التكنولوجيا المتقدمة، سواء من الشركات الناشئة أو عمالقة التكنولوجيا فى الصين. كما نلاحظ أن أكبر شركات التكنولوجيا فى الصين مثل “علي بابا” و “تينسنت” و “بايدو” هم من يتمتعون بأكبر قدر من فرص النجاح فى السوق الصينية وعالمياً، نظراً لأعداد المستخدمين الكبيرة التي يمتلكونها ومجموعة الخدمات الواسعة التى يقدمونها.
وعند الحديث عن نجاح التجربة الصينية فى كافة المجالات وعلاقتها بالذكاء الإصطناعى، والإستثمار، وربطها بكيفية إستفادة مصر من تلك التجربة الصينية. فنجد أنه وبسبب التقدم الصينى الهائل فى مجال الذكاء الإصطناعى، حذر نائب وزير الدفاع الأمريكى الأسبق (روبرت وورك) الولايات المتحدة الأمريكية داعياً إياها إلى أن “تقود الولايات المتحدة الأمريكية الثورة القادمة فى تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى مواجهة التقدم الصينى، أو أن تصبح ضحية لها”. وأثرت التوترات بين بكين وواشنطن فى هذا القطاع المتعلق بالذكاء الإصطناعى، إذ تستثمر صناديق الإستثمار الأمريكية بشكل أقل فى المشاريع التي تعمل على (تصنيع شرائح الذكاء الإصطناعى) خارج الولايات المتحدة الأمريكية. وقد جادل الرئيس الأمريكىى “جو بايدن” بأن أمريكا باتت فى “منافسة إستراتيجية طويلة الأمد مع الصين”. وهو على حق فى ذلك، لذا تأتى التصريحات المستمرة من الساسة والمسئولين والعسكريين الأمريكان، بأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست وحدها المعرضة للخطر من ناحية الصين، بل العالم الديمقراطى بأسره. حيث تشكل ثورة الذكاء الإصطناعى أساس التنافس الحالى بين الديمقراطية والإستبدادية من حيث القيم، مع عدم قدرة الديمقراطيات فى أن تنجح فى عصر الثورة التكنولوجية فى مواجهة الصين، وفقاً للمخاوف والتصريحات الرسمية الأمريكية. وهنا جاءت تصريحات رئيسة قسم أبحاث الإنترنت والأصول الرقمية فى الصين “باو” المسئولة عن (مجموعة ماكوارى للخدمات المالية)، بأنه: “فقط أولئك الذين يتمتعون بأقوى القدرات كالصين، هم الذين سيبقون على قيد الحياة”.
فالصين من الدول المتقدمة فى مجال الذكاء الإصطناعى، حيث أدرجته الصين فى (الخطة الإستراتيجية الوطنية) للبلاد فى عام ٢٠١٦. وقد أصدرت الحكومة الصينية لاحقاً العديد من السياسات لدعم تطوير تقنيات الذكاء الإصطناعى، إبتداءً من حماية رأس المال والملكية الفكرية، وصولاً إلى تنمية الموارد البشرية والتعاون الدولى، وتم التركيز على مجال الدراسات النظرية، لدعم تلك الموارد الدراسية المتعلقة بدمج الذكاء الإصطناعى فى الإقتصاد الوطنى للصين، وتطور الأمر مع التوسع عالمياً بعد إنتشار جائحة كورونا (كوفيد-١٩) ووضعت برامج صينية خاصة ومتطورة فى مجال الذكاء الإصطناعى للإستفادة منها فى قطاع الصناعة والإستثمار والإتصالات.
وفى الصين هناك علاقة بين الجامعات الصينية ومؤسسات الأبحاث والشركات الخاصة، حيث تتعاون تلك الجامعات تعاوناً وثيقاً لإجراء أبحاث فى مجال الذكاء الإصطناعى، ونقل التكنولوجيا المرتبطة به، من خلال تنفيذ برامج تدريب مواهب الذكاء الإصطناعى، وإنشاء مراكز بحثية ومعامل للتطوير وغيرها. ففى عام ٢٠١٧، أطلقت الصين وثيقة بعنوان “خطة تطوير الذكاء الإصطناعى للجيل الجديد”، بوضع بكين قواعد تمكنها من أن تصبح دولة رائدة فى هذا المجال. وفى عام ٢٠٢١، تم نشر (المبادئ التوجيهية الأخلاقية للتعامل مع الذكاء الإصطناعى فى الصين)، وتضمنت تلك الخطة الصينية أسساً منهجية لبناء قواعد معرفية ومعلوماتية لتطوير الذكاء الإصطناعى فى الصين. كما حدد التقرير الصينى المشار إليه أكثر الجامعات التى قدمت أكبر مساهمات فى هذا المجال، ويلاحظ أن خمسة جامعات صينية، تعد من أكثر مصادر أبحاث الذكاء الإصطناعى إنتاجاً فى عموم الصين، هى مؤسسات أكاديمية موجودة فى العاصمة بكين.
وتبرز العديد من التطبيقات العملية لتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى الصين، حيث نجد أن التوجه العام الحالى فى الصين يسعى لعمل دمج بين الأجهزة والبرمجيات لجعل تقنيات الذكاء الإصطناعى أكثر قابلية للتطبيق العملى، بواسطة التوسع فى رقائق الذكاء الإصطناعى كفرصة جديدة للاعبين الساعين إلى السيطرة على صناعة الذكاء الإصطناعى المستقبلية. وأصدرت الحكومة الصينية فى شهر يوليو ٢٠١٧، خطتها الجديدة لتطوير (الجيل الجديد من الذكاء الإصطناعى)، بوضعها جدول أعمال طموح، ومكون من (ثلاث مراحل زمنية) مختلفة، تستهدف نمو قيمة صناعات الذكاء الإصطناعى فى البلاد إلى ما يتجاوز ١٥٠ مليار يوان صينى بحلول عام ٢٠٢٠. ولعبت عدداً من الجامعات الصينية بجانب الشركات الخاصة دوراً كبيراً فى دعم التخطيط الحكومى لتطوير قطاع تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، ولعب عدداً من الخبراء والباحثين الصينيين دوراً متزايداً فى شركات القطاع الخاص الصينية العملاقة، مثل: (على بابا، بايدو، تنسنت)، لتحقيق إختراقات كبرى فى تكنولوجيات الذكاء الإصطناعى على المدى القصير والطويل، ولاسيما بعد أن أصبحت هذه الشركات منافساً قوياً للشركات الأمريكية والغربية العاملة فى هذا المجال.
وفى الوقت الحالى، وبعد إنتشار جائحة كورونا (كوفيد-١٩)، نجحت الحكومة الصينية فى تطوير تقنيات الذكاء الإصطناعى وإستخدامها فى كافة المجالات فى المجتمع، فقد تم تركيب أكثر من ٤٠٠ مليون (كاميرا مراقبة حكومية ودائرة مغلقة)، وذلك فى تقاطعات وزوايا الشوارع وممرات المشاة والحدائق ومناطق الترفيه والأسواق التجارية ومراكز التسوق ومداخل مبانى المكاتب والمتاحف والمعالم السياحية وأماكن الترفيه، الملاعب الرياضية والبنوك ومواقف الدراجات ومحطات الحافلات ومحطات السكك الحديدية وأرصفة الشحن والمطارات. كما تقود الصين الآن مجالات البحث والتطوير العلمى، وتسجل براءات إختراع أكثر من الولايات المتحدة. وهو ما سجلته تقارير صحف (فايننشال تايمز، نيويورك تايمز، فورين أفيرز)، حول مدى التقدم الصينى فى تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى المطبقة الآن فى الميدان المالى والذى يهدد المؤسسات المالية الغربية. كما تعتبر الصين، وفقاً لإستراتيجية “صنع فى الصين ٢٠٢٥”، كلاً من (علم الجينوم وقطاع الذكاء الاصطناعى) من القطاعات التى لها الأولوية فى البحث والتطوير، مع إجبار الصين لكافة الشركات ومؤسسات الأعمال، على المشاركة في إحراز تقدم فى هذين القطاعين، وذلك بموجب قوانين محلية خاصة تنص على وجوب مساعدة تلك الشركات للمخابرات العامة أو ما يعرف بوزارة أمن الدولة الصينية، لتطوير تلك التقنيات.
كما بدأ العلماء الصينيون ببناء تكنولوجيا “عقل المدينة”، وهو المشروع أو الفكرة التى تبناها عالم الذكاء الاصطناعى الصنيى “جاو” ومختبره أو معمله المتطور للذكاء الإصطناعى المعروف بإسم (بينغ تشينغ) والواقع فى قلب (مدينة شنتشن الجنوبية) فى الصين، لتعزيز أجهزة الكمبيوتر العاملة بنظام الذكاء الإصطناعى فى قلب “المدن الذكية”، وهى تلك التكنولوجيا الصينية المتقدمة، التى تمسح كل شوارع الصين بدءاً من شوارع بكين الواسعة إلى شوارع المدن الصغيرة، وتجمع وتعالج المليارات من المعلومات، من شبكات معقدة من أجهزة الإستشعار عن بعد والكاميرات وغيرها من الأجهزة التي تراقب حركة المرور والوجوه البشرية والأصوات، وغيرها. ونجد بأن هذا الإتجاه الذى تتبناه بكين لقيادة تكنولوجيا الذكاء الإصطناعى فى العالم بمراحل تفوق الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، قد أثارت مخاوف أمريكية وغربية شديدة، بشأن مدى إمكانية أن يدعم (علم الجينوم والذكاء الاصطناعى) فى الصين سياسات الحزب الشيوعى الحاكم أثناء محاولاته للهيمنة على العالم وفقاً للتصور الأمريكى، خاصةً بعد أن أصبح (معهد بكين للجينوم)، هو أكبر مؤسسة عاملة فى قطاع الجينوم على مستوى العالم وليس فقط داخل الصين أو داخل آسيا.
ومن هنا نفهم، سعى الصين إلى قيادة العالم فى مجال الذكاء الإصطناعى بحلول عام ٢٠٣٠، وهو الهدف الذى تم توضيحه فى “مشروع الدماغ الصينى” الرسمى الذى تم الإعلان عنه فى عام ٢٠١٦. حيث يعد تطور علم الجينوم والذكاء الإصطناعى وعلوم الدماغ فى الصين، بمثابة أهم القطاعات التى ترصد لها الحكومة الصينية ميزانية خاصة، كأهم المجالات الحدودية، كما تم تسميتها فى الخطة الوطنية للدولة الصينية للإرتقاء بها وفقاً لخطة مدروسة وممنهجة على مدار ١٥ عام، بدأت فى عام ٢٠٢١ وستنتهى بحلول ٢٠٣٥.