المسلسلات الرمضانية في تونس بين الجمالية والتوق الى العالمية
بقلم د. ليلى الهمامي
اواخر شهر رمضان المبارك فترة اعتدنا فيها على تقييم الانتاج الدرامي وما تم عرضه في القنوات التونسية من إنتاج تونسي. لكن ايضا لدينا دائما نظرة على ما يحصل في مصر وفي سوريا خاصة ولدرجة اقل العراق لكن يبقى الاهتمام الاول دائما بالانتاج التونسي.
رغم النقد اللاذع احيانا، يبقى التونسي يحبذ مشاهدة القنوات التلفزية التونسية خلال شهر رمضان والاستماع الى بعض المسلسلات التي تنتجها الاذاعة الوطنية، تلك التي دأبت منذ احداثها على انتاج رمضاني للمسلسلات والكل يعلم ويذكر تلك المسلسلات التي لا تخلو من ابداع والتي لا تخلو من جوده النص.
اردت ان اسوق مسألة هامة في علاقة بالانتاج الدرامي والابداع الفني عامة في تونس. انه لدينا من المبدعين ومن الطاقات ومن العقول ما يكفي لاكتساح الساحة الثقافية ليس فقط العربية بل ايضا الطموح للعالمية… لدينا بالفعل مخزون ثقافي وفكري وتجارب في المسرح وفي السينما وفي كل اشكال الابداع الفني ما يؤهلنا لان نشكل قطبًا ثقافيًّا يشع اقليميا ويجذب مختلف المبدعين عالميا… لدينا كل الطاقات وتعوزنا الامكانات: انجاز مدينة الثقافة انجاز عظيم دور الثقافة المنتشرة في مختلف الولايات والمعتمديات تحتاج الى الدعم في مستوى التجهيزات ليس الدعم فقط بالاطارات بل ايضا في مستوى الميزانية لتشجيع المبدعين الشبان وتمكينهم من فرص الظهور على المنصات.
من جهة اخرى وفي علاقة بالقطاع العام للاعلام، التلفزة الوطنية او القنوات التابعة للتلفزة الوطنية المفروض انها تشجع الانتاج الوطني في الابداع الفني والدرامي خاصة… المفروض ان تبرز الشخصية التونسية بعيدا عن المحاكاة. يمكن ان نستفيد من الكثير من الخبرات التقنية في مستوى الديكور والاخراج، والضوئيات وهذا محبذ ومطلوب… بيد أن عمق الابداع يبقى النص، وتبقى الكلمة والشخوص التي من المفروض ان تترجم وان تعبر عن الهوية التونسية، عن الانتماء تونسي، عن الفضاء التونسي عن التاريخ التونسي … وهذا ما لمسته شخصيا في عدد من الاعمال خلال هذا الشهر.
رمضان 2024 في تقديري فيه نجاح لا يستهان به على المستوى الدرامي. وجد الواقع التونسي احالات حقيقية بطرق مباشرة كما هو الحال في مسلسل الفلوجة، وبطرق اكثر تجريدا ورمزية في مسلسل عبد الحميد بوشناق. وفي كلتا الحالتين هنالك انشداد الى الشاشة من المتابع وشغف لمعرفة التطورات، ثم التشويق…
هذا في اخر الامر يعيدنا الى مسالة تحرير الابداع من كل المعوقات والموانع. اكيد اننا نحتاج اليوم اكثر من اي وقت مضى الى الالتزام الفني بالواقع لكن هذا الالتزام من المفروض الا يمس من خصوصية الاثر الفني، من حيث هو اولا وقبل كل شيء عمل موضوعه الجمال. وهذا شرط الشروط ومبدا المبادئ في كل عمل فني، مهما كان، لكي لا تتحول الاعمال الفنيه الى تلك الاشكال الدعوية الفجة التي تخالف قواعد النواميس الجماليات فتخون الرسالة الفنية في جوهرها، من حيث انها معالجة لما هو انساني من خلال اقتطاع مشهد من الواقع واعلائه الى مستوى المطلق الانساني. وتقديري ان اعتماد التقنيات الحديثة في الاخراج والدبلجة مسائل من المفروض ان نركز عليها خلال قادم السنوات للدخول الى فضاء العولمة الثقافية. فما تنجزه الثقافة من خلال مسرحية او شريط او مسلسل اسرع وانجى احيانا من اموال طائلة يمكن ان تنفق في الدعاية لاي بلد من البلدان.
علينا ان نفتح ورشة التفكير في الثقافة من اجل اقتحام فضاء العالمية. ودون اهداف لا يمكننا الحكم على المنجز ولا يمكننا تقييم ما تم دون اهداف دقيقة وواضحة وسنبقى في دائرة الهواية والفرجة من اجل الفرجة والمحلية ولا شيء غير المحلية. في حين في انه بإمكاننا ان نطمح لما هو اوسع، لنكون رافدا من روافد الثقافة العالمية.
هذه بعض الافكار التي اسوقها من اجل التفكير في ما من شانه ان يعصر الانتاج الدرامي في بلادنا وان يرتقي به الى مستوى الصناعة التي تخضع لمنطق الاستثمار والتسويق والدعاية، قطاع يمكنه ان يشغل الاف التونسيين من الشباب ومن غير الشباب، وان يحول البنية التحتية في تونس الى نقطة جذابة لرأس المال السينمائي من الخارج. علينا ان ننظر في المشاريع الكبرى لانني مقتنعة تمام الاقتناع ان تونس تستحق ما هو ضخم وعظيم!!!