مبيدات مغشوشة تهدد موسم المانجو في مصر
الاسماعيلية- الاء عمارة
على مسافة 127 كيلومترا شمال شرقي القاهرة في مصر، تقع الإسماعيلية، المشهورة بإنتاج محصول المانجو بأصنافها الكثيرة.
هناك يعيش «محمد» الذي يُدير مزرعة مانجو مساحتها 35 فدانًا. يعاني محمد من الحشرات والأمراض التي تُصيب محصوله من حين إلى آخر، خاصة أنّ أشجار المانجو تحتاج إلى عناية خاصة طوال العام، وليس فقط في مرحلة التزهير أو الحصاد.
أخبرنا «محمد»، أنه في العام الماضي أصيب محصوله بالعنكبوت الأحمر؛ وهو حشرة دقيقة تُصيب عدداً من المحاصيل والنباتات منها أشجار المانجو، وتكمن خطورته في أنه يدمر سطح الورقة، ما يُثبط عملية البناء الضوئي، ويزيد من عملية النتح، وهذا كله يعود بالسلب على النبات إذا لم تتم السيطرة عليه. ورغم استخدامه الكثير من المبيدات الزراعية وقتها، لم تجد نفعاً.
طالت مشكلة العنكبوت الأحمر «عبدالرازق» أيضًا، المزارع الخمسيني، الذي يمتلك فدانين من المانجو في بلطيم، يقول عبدالرازق لـ«العين الإخبارية»: “في الحمرا، العنكبوت الأحمر لا يرى بالعين المجردة؛ فنلاحظ أثره على النباتات المتمثل في امتصاص عصارة الورقة، ما يغير شكلها ويؤثر في جودة المحصول النهائي”. ويبلغ طول الإناث من العنكبوت ما بين 0.4 و0.7 ملم.
من جانبه، يقول الدكتور مجدي عبدالظاهر، أستاذ المبيدات في كلية الزراعة جامعة الإسكندرية: “العنكبوت الأحمر لا يُفرز مادة عسلية؛ لكنه يمتص العصارة، ويُضعف النبات، وقد ينقل فيروسات نباتية”.
الأمر لا يتوقف عند محمد؛ فهناك مزارعون عدة تحدثنا إليهم وأخبرونا بعدم جدوى أغلب المبيدات الزراعية التي يستخدمونها. وفي هذا التحقيق تتبعنا أحد المبيدات المنتشرة في الأسواق، لنكتشف أنه مغشوش، ولا يجدي نفعاً في حالة محصول المانجو.
مبيدات مغشوشة
حصلنا على عينة عشوائية من مبيد متداول في الأسواق -وهو مبيد فيرتيميك- مكتوب على العبوة أنه من إنتاج شركة سينجنتا.
وللتحقق من المبيد، ذهبت معدة التحقيق إلى مقر الشركة وعرضت العبوة التي تحملها على أحد الفنيين الذي قال إن هذا المبيد ليس من إنتاج الشركة، ويبدو أنه مغشوش، ورفض أن يعطي معلومات إضافية.
من جانب آخر، أخبرنا «محمد» باستخدامه لمبيد فيرتيميك، وطلبنا منه تصوير العبوة، وكانت هي نفسها العبوة التي عرضناها على الشركة.
وعن تجربته مع المبيد، يقول محمد لـ «العين الإخبارية»: “الفاعلية لم تكن مُثلى”. ويستكمل: “علبة صغيرة، 100 سم، بـ300 جنيه، وممكن أحتاج 6 علب لرش فدان واحد، وهذا مكلف جداً، لا سيما عند رش المساحة الكبيرة”.
مصدر الصورة: كانفا.
على اليمين، المبيد الذي عرضناه على الشركة، وعلى اليسار، المبيد الذي استخدمه محمد وصوره لنا.
العفن الهبابي
لا تقتصر مشاكل محمد مع العنكبوت الأحمر، لكنه يعاني أيضاً من العفن الهبابي. يقول «محمد» لـ«العين الإخبارية»: “منذ 5 سنوات، خسرت ما يقرب من 60 في المئة من محصولي؛ بسبب العفن الهبابي”.
وبحسب الدكتور مجدي عبد الظاهر، أستاذ المبيدات في كلية الزراعة جامعة الإسكندرية في حواره مع «العين الإخبارية» يقول: “ينتج العفن الهبابي نتيجة إصابة الأشجار بحشرات ثاقبة ماصة؛ منها: الحشرات القشرية أو المن، عندما تتغذى تلك الحشرات على النبات، تُفرز مواد عسلية، نُسميها بالندوة العسلية، بعد ذلك تنمو فطريات، مثل الأسبرجلس ذو اللون الأسود؛ فيظهر النبات وكأنه مغطى بالندوة العسلية وعليها فطر؛ فيُسمى ذلك بالعفن الهبابي. إذن العفن الهبابي ليس مرضاً مباشراً، لكنه ثانوي ينتج عن الحشرات الثاقبة الماصة”.
يحتاج العفن الهبابي إلى مقاومة، وذلك عبر تقليم وتهوية قلب الشجرة، وتجنب المبيدات المضروبة، خاصة مع زيادة معدل الرطوبة الجوية في ظل التغيرات المناخية. بحسب «محمد طايع»، مهندس زراعي استشاري متخصص في محصول المانجو.
إلى بلطيم
بلطيم التي تبعد مسافة 190 كيلومترا شمالي القاهرة، تشتهر بإنتاج الموالح، وهذا يتناسب مع طبيعة التربة الرملية هناك، لكن غش المبيدات ما زال واسع النطاق، إذ يقول الحاج «صالح» لـ«العين الإخبارية»: “هناك الكثير من المبيدات المضروبة هنا، وفي مرة ما، استخدمت مبيدًا ميزت فيه رائحة الفينيك”.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور خليل المالكي، أستاذ المبيدات بمركز البحوث الزراعية ورئيس لجنة مبيدات الآفات الأسبق بوزارة الزراعة لـ«العين الإخبارية»: “عادةً ما يقوم الغشاشون بضرب المبيدات باستخدام الفينيك؛ لأن المبيد فيه مادة لبنية تظهر داخل الرشاشة أو برميل التقليب، وعندما يراها الفلاح، يظن أنّ هذا المستحلب الذي يُميّز المبيدات”.
داخل العلبة
يستكمل الدكتور خليل إيضاح الفرق بين العبوة السليمة والمضروبة، قائلًا في حواره مع العين الإخبارية: “في غطاء العبوات، توجد برشامة، تختلف في العبوة المضروبة عن السليمة، وإن كان المظهر الخارجي للعبوتين متشابه؛ فالعبوة السليمة تكون صلبة، وإذا حاولنا إسقاطها من مسافة معينة فوق الأرض، لا تُفتح، على عكس العبوة المضروبة، التي تكون أرخى وتُفتح إذا سقطت على الأرض”. ويُوضح المالكي أنّ هذه من ضمن خطوات الاختبار المتبعة في المعمل المركزي للمبيدات عند تسجيل المبيد.
يملك المزارع الخمسيني «علي» فدانين، يستخدمهما لزراعة محصول المانجو في بلطيم. يؤكد أنه استخدم مبيدات لم تكن فعّالة، وتحتوي على بعض الخصائص؛ مثل: رائحة الفينيك، وأن العلبة رخوة، وبطاقة تعريف المبيد غير محكمة، كذلك البرشامة تحت الغطاء كانت تسقط سريعاً. بالأحرى، كانت المبيدات مضروبة، ويُقدر «علي» أنّ 90 في المئة من المبيدات التي استخدمها لم تكن فعّالة، وتمتلك هذه المواصفات.
تعرض «علي» لخسائر لا تقل عن 20 في المئة من إجمالي المحصول؛ بسبب العفن الهبابي والآفات التي يتعرض له المانجو في بلطيم، ويحاول أن يُقاوم الآفات الزراعية بالمبيدات، لكنه يظل فريسة للمبيدات المضروبة التي لا تنقذ محصوله من التلف.
من ذلك، يتضح أنّ انتشار حالات غش المبيدات الزراعية، وهذا ما يخالف القانون رقم 281 لسنة 1994، الخاص بقمع التدليس والسلع.
يقول الدكتور خليل لـ«العين الإخبارية»: “حملات الرقابة في وزارة الزراعة، لا تُغطي المساحات، وعدد المراقبين لا يكفي”.
المبيدات وحدها لا تكفي!
قد يقع المزارع فريسة للمبيدات المضروبة، لكنهم يحتاجون إلى الإرشاد الزراعي من أجل تعلّم الأساليب الفعالة لتقليم أشجار المانجو والحفاظ على صحتها. وعندما سألنا عدداً من المزارعين عما إذا كانت هناك أي إرشادات تأتيهم من الجمعيات الزراعية بشأن تقليم الأشجار، قالوا جميعاً أنه لم يرشدهم أحد، وكلها اجتهادات منبثقة عن خبرتهم الشخصية. فيما لا يهتم المزارع أحمد بتقليم أشجاره، وهي خطوة أساسية لضمان صحة المحصول.
أما محمود، الذي فقد العام الماضي نحو 70 في المئة من محصوله، يشتكي من غياب الإرشاد الزراعي قائلاً لـ«العين الإخبارية»: “الإرشاد تركنا للتعامل مباشرة مع سوق المبيدات؛ فأنا مزارع لا علم لي بتقييم المبيد؛ فعند فشله أضطر إلى شراء مبيد آخر، ما يزيد التكلفة المادية”. ويتعجب محمود من عدم وجود رقابة قوية على المبيدات، ويبدي استعداده لشراء مبيدات باهظة الثمن، شريطة ألا تكون غير مغشوشة.
تراكم الديون
يُضطر عبد الرازق إلى الاستدانة من التجار لتغطية مصاريفه، لا سيما وأنّ أشجار المانجو لا تُنتج الكمية المطلوبة. أما «محمود»، يقول: “امتدت الخسائر إلى أسرتي، ولم تعد المصاريف تكفينا، أنفق على المبيدات والمعدات الزراعية أكثر من العائد”.
ولا تقف الأضرار عند هذا الحد، إذ يقول «علي»: “عندما يخسر المحصول، يتأثر غيري بالتبعية؛ مثل: التجار أو العمال أو المستفيدين الآخرين”.
أما عن محمد، فقد لجأ مع أصدقائه المزارعين إلى تركيب المبيدات بأيديهم، من خلال إحضار المواد الفعالة وتركيبها؛ ويقول «محمد»: “بنجرب في النسب شوية لحد ما نوصل للنسبة المُثلى”.
– هذا التحقيق أنجز مع CIJ بالتعاون مع منصة المناخ بالعربي ضمن زمالة الصحافة الاستقصائية للمناخ.
– أسماء المصادر المتضررة من المزارعين مستعارة؛ حفاظًا على الخصوصية.