الحكومة تسابق الزمن لضبط الأسواق وتلزم الشركات بتدوين سعر البيع النهائي لـ7 سلع غذائية غداً
وزارة التموين : مصادرة السلع المخالفة.. ومسؤول بـ”حماية المستهلك”: سنقضي على ظاهرة تعدد الأسعار قريباً
هل تفلح “حزمة السيسي” بتخفيف معاناة المصريين من غلاء الأسعار؟
في نهاية ديسمبر الماضي، أصدر وزير التموين والتجارة الداخلية المصري علي المصيلحي، قراراً بضوابط تداول 7 سلع استراتيجية، ملزماً الشركات والمنشآت بتدوين سعر البيع النهائي للمنتجات والسلع للمستهلك شاملاً الضرائب والأعباء المالية، بداية من الشهر المقبل.
القرار يشمل سبعة سلع استراتيجية، هي الأرز، المكرونة، الألبان، الزيوت، الفول، السكر، وبعض أنواع الجبن.
سادت العشوائية الأسواق المصرية خلال الأشهر الماضية خاصة في تسعير السلع والمنتجات وسط غياب الرقابة الحكومية بسبب عدم نجاحها في توفير العملة الصعبة للمستوردين، وهو ما دفع بعض القطاعات لتسعير وبيع منتجاتها بالدولار بدلاً من الجنيه.
ضبط منظومة تداول السلع
يستهدف القرار ضبط الأسعار بالأسواق، إلى جانب ضبط منظومة تداول السلع، بحسب أحمد كمال معاون وزير التموين لشؤون المشروعات والإعلام في مقابلة مع “الشرق”، مضيفاً “سيتم تشديد الرقابة على الأسواق للتأكد من الالتزام بطباعة الأسعار على السلع بداية من يوم غد”.
عانت مصر خلال العام الماضي من ارتفاعات قياسية لم تشهدها من قبل لأسعار سلع أساسية على رأسها السكر والأرز والبيض واللبن واللحوم والبقوليات والخضراوات والفواكه.
أوضح كمال، أن القرار يُلزم السلاسل والمحال التجارية إعلان أسعار السلع بوضوح وطباعتها على العبوة نفسها، أو إعلان الأسعار في الأماكن المخصصة للبيع “الأرفف”، أو عن طريق الرقم التسلسلي “Serial Number”، مؤكداً أنه حال عدم الالتزام سيتم توجيه إنذار مبدئي، ثمّ مصادرة السلع التي يخالف أصحابها القرارات الوزارية.
في محافظة بني سويف بصعيد مصر، على بعد نحو 150 كيلو متراً من القاهرة، قالت دعاء حسن في العقد الرابع من عمرها، وتعول 3 أطفال في مراحل تعليمية مختلفة :”الأهم من كتابة الأسعار على المنتجات هو توفيرها، ما نشاهده الآن في سلعة مثل السكر والتي يبلغ سعرها 27 جنيهاً وفقاً لما تعلنه وزارة التموين، لكن السلعة غير متوفرة في الأسواق، وإذا وجدت تُباع بسعر يتراوح بين 50-60 جنيهاً”.
مسؤول بجهاز حماية المستهلك، قال لـ”الشرق” إنه سيتم تحويل الرقابة بعد شهر مارس من المخازن إلى المتاجر، حيث سيجري تكثيف الرقابة للتأكد من وضع الأسعار على السلع، والتزام المتاجر بالبيع وعدم المغالاة، والقضاء على ظاهرة بيع السلعة بأكثر من سعر.
صعدت قيمة الجنيه في السوق الموازية بنحو 20% إلى حوالي 50 جنيهاً للدولار، وفقاً للعديد من التجار والمستوردين الذين تحدثت معهم “بلومبرغ”. أدى ذلك إلى تضييق الفجوة، ولكنها لا تزال أقل بكثير من السعر الرسمي، الذي ظل ثابتاً عند حوالي 30.9 جنيه أمام الدولار خلال العام الماضي في وقت تعاني مصر من نقص حاد في العملات الأجنبية.
أضاف المسؤول بالهيئة الرقابية الذي فضل عدم نشر اسمه، أن الرقابة ستشمل منافذ البيع الصغيرة والكبيرة للتأكد من التزامها، وسيتم إنذار المتخلفين عن إعلان الأسعار مرة واحدة، وفي حال تكرار الأمر ستتم مصادرة أي منتج “غير مُسعر”.
طباعة الأسعار على السلع
أوضح المسؤول أن طباعة الأسعار على السلع تقضي تماماً على ظاهرة تعدد الأسعار للسلعة الواحدة، وتٌلزم سلسلة الوسطاء التي تأتي بعد المصنع بالأسعار التي يعلنها المصنع على العبوة، ثم إنه من شأنها تقليل عدد عمليات التداول للسلعة التي تزيد من أسعارها.
يخرج السعر النهائي لأي سلعة من المصنع دون أي تدخل حكومي في تحديده، بحسب المسؤول، مؤكداً أن الاقتصاد المصري “حر” ويعتمد على الإتاحة، وبالتالي فإن العرض والطلب هما المحركان الرئيسيان في تحديد الأسعار.
المسؤول قال، إن الأسعار العالمية أثرت بشكل كبير على غلاء الأسعار المحلية، لكن أيضاً حدثت عمليات حجب وتخزين للعديد من السلع أدت لارتفاع الأسعار كان سببها “جشع بعض التجار”، حيث إن بعض السلع التي ارتفع ثمنها كانت الإتاحة كبيرة والمعروض قليل وسط طلب كثيف، وتم ضبط كميات من السلع الغذائية خلال مدة زمنية قصيرة، أغلبها كان نتيجة الحجب والتخزين والبيع بأزيد من الأسعار.
التسعير العشوائي
قرار إعلان الأسعار على السلع، سوف يقضي على التسعير العشوائي، بجانب منع التلاعب في الأسعار وتخزين السلع أو حجبها لزيادة أسعارها كما كان يحدث خلال العامين الماضيين، بحسب أحمد عتابي، عضو شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية في محافظة الجيزة لـ”الشرق”.
أوضح عتابي، أن الأسعار سوف تنخفض خلال 10 أيام بنسبة 30% متأثرة بانخفاض سعر الدولار في السوق السوداء، كما أن إعلان الأسعار على السلع سوف يساهم في ضبط الأسعار بشكل كبير، متوقعاً نجاح الحكومة في ضبط الأسعار خلال الفترة المقبلة، قائلا: “التاجر سيتضرر من تخزين السلع ما دام سعرها مدوناً عليها”.
من جانبه، قال مجدي الوليلي، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية لـ”الشرق”: “لن تنجح الدولة في ضبط أسعار السلع أو توافرها في ظل التسعير العشوائي للمنتجات من قبل المصانع والوكلاء إلا في وجود رقابة ومتابعة حكومية أكثر على سلاسل الإمدادات وحلقات التوزيع”.
أضاف أنه من الصعب تحديد أسعار السلع في مصر في ظل الالتزام باقتصاد السوق الحر، لكن من الممكن أن تتدخل الدولة في توفير السلع من خلال المنافذ التي تمتلكها المجمعات الاستهلاكية، ومنافذ أمان التابعة لوزارة الداخلية.
تمتلك الحكومة المصرية من خلال وزارة التموين مجمعات الأهرام، والنيل، والإسكندرية، والتي تتواجد لها فروع في عدد كبير من المحافظات، بجانب منافذ أمان التابعة لوزارة الداخلية، ومنافذ صن مول التابعة لجهاز الخدمات التابع للقوات المسلحة، إلى جانب مئات المنافذ الثابتة والمتحركة التابعة لوزارة الزراعة.
إذا أخذت الدولة من المصنع إلى المستهلك في المنافذ التابعة لها بدون وكيل أو تاجر جملة، أو تاجر تجزئة سيتم توفير كل هذه العمولات والتي قد تصل إلى 20% من سعر السلعة، بحسب الوليلي.
زيادة الاستهلاك في رمضان
رئيس لجنة التجارة الداخلية باتحاد الغرف التجارية متي بشاي، أكد أن إجراء كتابة سعر السلعة على المنتجات ليس هو الفيصل في الحد من ارتفاع الأسعار، مؤكداً أن توافر الدولار الذي يتم استيراد أغلب السلع الغذائية وأعلاف الدواجن والمواشي به هو الفيصل في الحد من ارتفاع الأسعار.
تخوف بشاي من أن شهر رمضان يشهد زيادة كبيرة في الاستهلاك، متوقعاً أن تساهم موجة الإفراجات عن السلع من الموانئ في توفير السلع بالأسواق، لكنه توقع أن يكون سعرها مرتفعاً.
ترجع الزيادة الكبيرة التي حدثت في أسعار بعض المنتجات الغذائية إلي ممارسات احتكارية في بعض السلع، بحسب بشاي، مؤكدا أن الفيصل في تراجع الأسعار هو توفر وسعر الدولار، والذي بدأ يشهد تراجعاً في السوق الموازية منذ الإعلان عن تفاصيل صفقة رأس الحكمة.
تواجه مصر، الدولة العربية الأكثر عدداً في السكان، أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، في وقت لا تزال مستويات التضخم مرتفعة وإن كانت تباطأت في يناير عندما بلغ مؤشر أسعار المستهلكين 29.8% على أساس سنوي، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
لكن يبدو أن الأزمة قد وصلت إلى نقطة تحول الأسبوع الماضي، عندما وقّعت السلطات المصرية اتفاقية ضخمة مع الإمارات لتطوير “رأس الحكمة”، باستثمارات تبلغ 35 مليار دولار.
الفاتورة الإلكترونية
أشار أمين عام اتحاد الغرف التجارية، علاء عز، إلى إمكانية أن يتعذر على بعض المصانع كتابة أسعار السلع نظراً لعدم وجود ماكينات لتدوين السعر لديها، إلا أن هذا الأمر لا يعني أنها ستخرج عن الرقابة، سيتم الأخذ بالفاتورة الإلكترونية التي أقرتها وزارة المالية المصرية لإحكام الرقابة على المجتمع الضريبي، حيث توضح الفاتورة كميات وأسعار السلع التي خرجت من المصنع لكل تاجر.
أضاف في مقابلة مع “الشرق” أن الأيام التي أعقبت الإعلان عن صفقة رأس الحكمة، ومنذ بداية الأسبوع الجاري، تراجعت أسعار التوريد بالجملة لعدد من السلع، بنسب تتراوح ما بين 9% إلى 22%، منها الزيوت، والذرة، والفول، والعدس، والقمح.
أوضح أن أغلب المستوردين يحصلون علي السلع بتسهيلات آجلة من الموردين، وبالتالي خلال الفترة المتفق عليها بين الطرفين عليهم تجميع سعر السلعة، ومع ارتفاع سعر الدولار بنسبة كبيرة في السوق الموازية خلال الأسابيع الماضية لجأ كل التجار إلى زيادة سعر السلع على تجار التجزئة لضمان تحصيل سعر البضاعة الآجلة.
الأسعار أصبحت حديث المصريين منذ شهور، وشغلهم الشاغل، إذ أضحت أغلب الأجور حتى بعد زياداتها الأخيرة لا تضاهي الزيادات المستمرة في أسعار السلع والخدمات. الفئة الأكثر تأثراً في البلاد هي العمالة غير المنتظمة.
تساءل محمد الهادي، في العقد الثالث من عمره ويعيش في مدينة شعبية غرب العاصمة المصرية القاهرة، هل الحكومة ستستطيع تطبيق الرقابة الصارمة على الأسواق بحيث يتم توفير السلع بالتوازي مع كتابة الأسعار عليها أم لا؟.
زيادة المعروض
يزداد الطلب على السلع بداية من منتصف شهر شعبان وفقاً للتوقيت الهجري حتى نهاية شهر رمضان بنسبة 50% تقريباً، بحسب عز، مؤكداً على ضرورة زيادة المعروض من كل السلع.
تم توزيع 300 ألف طن من السكر، في حين أن استهلاك مصر اليومي يصل إلى 8 آلاف طن فقط، وفقاً لأمين عام اتحاد الغرف التجارية، موضحاً أنه سيتم طرح كميات كبيرة من السكر في الأسواق من خلال معارض “أهلا رمضان” التي ستفتتح للجماهير بداية من اليوم الخميس، وستشمل 100 منفذ فضلاً عن منافذ حكومية أخري هي منافذ أمان، والمنافذ التابعة لوزارة التموين.