“المنصات الاجتماعية” تستبدل القضايا الجادة بتسطيح عقول المستخدمين
وسائل اعلام: المدن الجديدة
بعد عشرين عاما على ميلاد فيسبوك، أصبحت الشبكات الاجتماعية، “ساحة المدينة” الرقمية التي يتبادل فيها المستخدمون الحجج ويتشكل فيها الرأي العام، أكثر ميلا إلى الترفيه وابتعادا عن توثيق حياتهم عبر الإنترنت، ما يشير إلى تغير كبير في استخدام هذه الشبكات.
وفي فبراير من عام 2024، انطلق عملاق التواصل الاجتماعي للمستخدمين ليفتح الطريق أمام منصات أخرى أثرت جميعا على حياة المليارات من البشر حول العالم. وأصبحت “الوسيلة الأساسية” التي يستخدمها الناس على شبكة الويب، حيث قضى نصف عدد مستخدمي الأجهزة المحمولة في أنحاء العالم نصف وقتهم على التطبيقات الاجتماعية، العام الماضي، وفقا لشركة الأبحاث “داتا.آي.إي”.
وارتفع إجمالي الوقت المستغرق في استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي على أجهزة أندرويد، والتي تمثل حوالي 70 % من الهواتف والأجهزة اللوحية في العالم، بنسبة 42 %، منذ عام 2020، إلى 2.3 تريليون ساعة العام الماضي.
وأشارت مجلة الإيكونوميست البريطانية في تقرير بشأن ما تغير خلال العقدين الماضيين إلى أن فيسبوك والمنصات الأخرى المقلدة فعلت أكثر من مجرد جني المال، فبعد وصول منافسين لفيسبوك مثل “تيك توك”، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، اضطرت فيسبوك وغيرها من الشركات القائمة إلى إعادة اختراع نفسها، حيث تحولت الآن هذه المنصات التي بدأت باعتبارها أماكن لتجمع الأصدقاء للتفاعل ومشاركة المحتوى، إلى قنوات ترفيهية شبيهة بالتلفزيون.
والتغيير الأكثر وضوحا هو التحول إلى الفيديو على الشبكات المختلفة بعد النجاح الهائل الذي حققه تطبيق “تيك توك”.
وتشير الإيكونوميست إلى “موجة من المقلدين” مثل ميتا التي أضافت “رييلز” على إنستغرام وفيسبوك، وكذلك ظهرت تجارب مماثلة على يوتيوب وإكس، التي يقول مالكها إيلون ماسك إنها “منصة الفيديو أولا”.
ومن بين التغييرات التي شهدتها مواقع التواصل أن المحتوى الذي يصل المستخدمين لم يعد بالضرورة الأحداث الاجتماعية لعائلاتهم وأصدقائهم، وبات هذا المحتوى يعتمد على “اهتمامات” المستخدمين أنفسهم وهو ما تستنتجه الخوارزميات من المقاطع التي يهتمون بها أكثر من غيرها وهذا النموذج شرعت تيك توك في تطبيقه أولا.
وهناك أدلة على ذلك، فمنذ العام الماضي، أظهرت نصف المنشورات على إكس أن مستخدميها يأتون من خارج شبكة الأشخاص الذين يتابعونهم. وهذا الأمر يظهر أيضا في “ثريدز” التابعة لـ”ميتا”.
ونظرا لأن ملفات الأخبار الخاصة بالمستخدمين أصبحت غير مرتبطة بشبكة أصدقائهم وعائلاتهم، فإنهم ينشرون عددا أقل من المدونات عن أنفسهم، ما جعل “المستخدم العادي الآن أكثر من مجرد مستهلك”.
وفي استطلاع أجرته شركة غارتنر لأبحاث السوق، العام الماضي، قال 28% فقط من الأميركيين إنهم يحبون توثيق حياتهم عبر الإنترنت، بانخفاض عن 40 % في عام 2020. وقال حوالي 61 % إنهم أصبحوا أكثر انتقائية بشأن ما ينشرونه، حسبما وجدت صحيفة مورنينغ.
ووجدت شركة أبحاث “كونسلت” أيضا أن زيادة تدفق محتوى “المؤثرين” ربما جعلت المستخدمين يعتقدون أن “حياتهم اليومية عادية للغاية بحيث لا تبرر النشر المتكرر”.
وهناك شيء مهم آخر تغير، وهو نقل المستخدمين محادثاتهم وآراءهم خارج الشبكات المفتوحة إلى مجموعات خاصة مغلقة على منصات مثل واتساب وتيليغرام.
وقال آدم موسيري رئيس إنستغرام، إن عدد الصور والمقاطع التي تتم مشاركتها في الرسائل المباشرة أكبر من عددها في خلاصة التطبيق الرئيسة. كما لوحظ أيضا أن في “ساحة المدينة” يزداد المرح وتغيب السياسة، أي أن هذه الساحات باتت تبتعد عن السياسة رغم اتهامها في السابق بالاستقطاب السياسي، حيث أطلقت وسائل التواصل سابقا حركات اجتماعية مثل “مي تو” و”حياة السود مهمة” والربيع العربي وحتى أعمال الشغب في الكابيتول.
ويبدو الآن أن “المنصات باتت حريصة على نحو متزايد على توجيه المستخدمين بعيدا عن الأخبار والشؤون الجارية، وكان هذا التحول ملحوظا للغاية في شركة ميتا، التي قال رئيسها قبل 10 سنوات إنه يريد أن يصبح موجز الأخبار على فيسبوك “صحيفة شخصية مثالية لكل شخص في العالم”.