كيف حققت روسيا حلما مصريا طال انتظاره؟
يعد مشروع الضبعة النووي إحدى ثمار العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا والتي تشهد تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية، حيث تمكنت روسيا من تحقيق حلم مصري كبير طال انتظاره.
ويشارك الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي اليوم الثلاثاء في مراسم صب خرسانة المفاعل الرابع بمحطة الضبعة النووية.
وتعد مصر من أوائل الدول التي أدركت منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي أهمية الطاقة النووية والإمكانات الهائلة الكامنة في الذرة والتي يمكن الاستفادة منها من أجل توفير الطاقة ومياه الشرب لضمان التنمية المستدامة في مصر، وفي هذا السبيل أنشئت لجنة الطاقة الذرية المصرية عام 1955 ثم أنشئت مؤسسة الطاقة الذرية عام 1957، وكذلك كانت مصر من أوائل الدول المؤسسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1957، وفى وضع الأساس الذي تقوم عليه صلاحياتها ودعم الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وبدأت مصر حلمها بامتلاك الطاقة النووية ودخول “الطريق النووي السلمي” بمفاعل روسي حيث تم إنشاء أول مفاعل نووي للأبحاث حمل اسم مفاعل البحث والتدريب التجريبي (ETRR-1) الذي تم الحصول عليه من الاتحاد السوفيتي وتدشينه في أنشاص عام 1961.
وبدأت مصر التفكير في استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء في أوائل الستينيات، وكان لمصر عدد من المحاولات السابقة لبناء محطة نووية حيث قامت في عام 1964 بطرح مناقصة دولية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بقدرة 150 ميعاواط في منطقة برج العرب إلا أن عدوان 1967 أوقف المشروع.
وفي عام 1976 تم تأسيس هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء وأصبحت هي الهيئة المنوط بها والمسؤولة عن تنفيذ مشروعات إنشاء محطات القوى النووية، والمشروعات المرتبطة، وكذلك تشغيل وصيانة وإجراء البحوث والتطوير والدراسات وأعمال الخبرة للمحطات النووية لتوليد الكهرباء خلال جميع مراحل المشروع طبقا للأكواد والمعايير ومتطلبات الأمن والأمان المحلية والعالمية.
وبعد حرب 1973 ووفقا لما جاء في تقرير حصلت عليه بوابة “الأهرام” المصرية، تمت إعادة التفكير في الموضوع وطرحت مناقصة عالمية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 600 ميغاواط في موقع سيدي كرير (35 كم غرب الإسكندرية) وتمت الترسية على شركة وستنجهاوس الأمريكية وقبيل توقيع العقد عام 1978 حاولت الولايات المتحدة فرض شروط جديدة رفضتها الدولة المصرية وتوقف المشروع بعدها.
وفى عام 1981 صدر القرار الجمهوري رقم 309 بتخصيص موقع الضبعة بعد دراسات مكثفة وطرحت مصر عام 1983 مناقصة دولية لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء هناك بقدرة 1000 ميغاواط وتم تحليل العطاءات والتفاوض مع المتناقصين طوال عامي 1984 و1985، إلا أنه قبل موعد إعلان الفائز في المناقصة وقع حادث تشرنوبيل في أوكرانيا في 26 أبريل 1986 ورغم أن مفاعل تشيرنوبيل كان من نوع مختلف تماما عن النوع الذي كانت ستبنيه مصر إلا أن المشروع توقف.
وفى عام 1998 تم تشغيل مفاعل الأبحاث الثاني بقدرة 22 ميغاواط حراري بأنشاص وفي عام 2007 تم إنشاء المجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، برئاسة رئيس الجمهورية وفى نفس العام عاد المشروع بطيئا عندما أعلنت مصر عن تبنيها برنامجا نوويا لإنشاء محطات نووية وفي عام 2009 تم اختيار شركة “وورلي” كاستشاري للمشروع وتوقف مرة أخرى عام 2011 مع ثورة يناير.
وبحسب أحدث تقرير حول المشروع النووي المصري شهد المشروع في ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي إنجازا غير مسبوق وتم إحياء المشروع للتنفيذ على أرض الواقع في عام 2015 حيث تلقت مصر ثلاثة عروض فنية وتمويلية من روسيا والصين وكوريا الجنوبية وأسفرت المفاوضات عن اختيار الحكومة الروسية شريكا استراتيجيا.
وفي 19 نوفمبر 2015 وقعت حكومة روسيا الاتحادية وحكومة جمهورية مصر العربية اتفاقية حول التعاون المشترك لإنشاء محطة للطاقة النووية في مصر.
وفى عامي 2016، 2017 تم التفاوض مع الجانب الروسي لإنشاء وتشغيل والإمداد بالوقود وتخزين الوقود المستنفد لمحطة نووية مكونة من أربعة مفاعلات روسية من طراز VVER 1200 بقدرة 1200 ميغاواط للواحد، وتلى ذلك توقيع عقود المحطة ودخولها حيز التنفيذ في ديسمبر 2017.
ومن المقرر وفق الخطة الزمنية للمشروع تشغيل المفاعل الأول في الربع الرابع من عام 2027 وربطه بشبكة الكهرباء المصرية في الربع الرابع من عام 2028، ليتوالى تشغيل باقي المفاعلات تباعا حتى عام 2030.
وسيتنقل المشروع من مرحلة الإنشاءات والتركيبات الى مرحلة التشغيل والصيانة التى سوف تمتد لأكثر من ستين عاما لتحقيق الاستدامة كأحد أهم المصادر الأمنة والمأمونة للطاقة.
مفاعلات الضبعة من الجيل “3+” العاملة بالماء المضغوط باستطاعة إجمالية 4800 ميغاواط بواقع 1200 ميغاواط لكل منها، وتشيدها شركة “روساتوم” بأفضل التقنيات وأعلى معايير الأمان والسلامة عالميا، حسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.