انجي الحسيني تكتب: الفائزة (من المجموعة القصصية: حكايات نجوى)

    الأديبة انجي الحسينى

ليلى ابنة عمي مدللة أبويها؛ لكونها الأخت الوحيدة لشقيقين، وارتباطها اللصيق بأبيها هو موضع دهشة وغرابة، ولكنه موضع غيرة أيضا.
نعم .. كنت أشعر بالغيرة من تلك العلاقة، غيرة لا أستطيع كتمانها وتظهر على ملامح وجهي كلما شاهدت ليلى مندسة بين أحضان والدها.
وفي إحدى السهرات العائلية، جلس عمي يضحك وهو يروي كيف تعامل مع ابنته وهى تصارحه بحبها زميلا لها بالنادي عندما كانت في المرحلة الإعدادية، حيث خرجا معًا بمفردهما، وظل يستمع لها، وهو يدرس مفكرا بماذا يرد على المراهقة الصغيرة، قاطعناه بلفهة متسائلين: ماذا فعلت؟
قال بهدوء: موافق، لكن من حقي أن أعرف هو الشاب ده هايتقدم بصفة إيه؟ يعني لما هاقدمه للناس هاقول إيه؟ خطيب بنتي الطالب في الثانوي؟ طيب هو أكيد مش هايقدر يتجوز غير لما يتخرج؟ طيب أنا عاوز أعرف هو صنعته إيه؟ ولحد ما أعرف إيه المطلوب مني؟ أبارك قصة الحب ولا أخطب لاتنين طلبة لسه مستقبلهم مش واضح؟! ومعنى كده إنك هاتخرجى وتدخلى بحكم الخطوبة اللي ممكن ما تكملش؛ لأن لسه أربع سنين جامعة وممكن المشاعر تتغير، ساعتها شكلي إيه كأب، غير إني سايب بنتى تمشي على حل شعرها، طب ده وضع صح؟! فكري براحتك وردي عليا.
ضحكت ليلى وقالت: بصراحة أنا اقتنعتُ واعتذرتْ.
قبَّلها عمي بحنو وقال: علشان عرفت أربي صح.
فعاودت ابنته الحديث قائلة: في إحدى المحاضرات لأبي بالجامعة، وقف أمام الطلبة شارحا كيف يضع الأب ميزان قيم عند الأبناء في مواجهة التكنولوجيا بعد أن أصبح الأب يجد صعوبة في التواصل مع أولاده، ثم حكي لهم تلك القصة القديمة.
قاطعها أبوها: لم أنس وجوه الطلبة وهم ينتظرون ماذا فعلت؟ وبعد أن انتهيت أخبرتهم بأن ابنتي موجودة بينهم بالقاعة، فالتفتوا يبحثون عنها وقاموا بالتصفيق لنا.
نظرت إلى أبي والذى لم يكن يعجبه هذا الدلع الماسخ كما يصفه دائما، وفكرت فى رد فعله لو تبادلنا موقف عمي وابنته، فلربما قتلني حقا أو لنالتني منه علقة مميتة، فهو رغم طيبته وكرمه إلا أنه متحفظ المشاعر، يخجل إذا قبلناه ولم أعرف أبدا تلك الأحضان التى تعرفها ليلى.
***
ودارت عجلة الأيام سريعا، وتزوجت ليلي ممن أحبه قلبها، وتزوجت أنا أيضا، وأنجب كل منا ولدين، صاروا جميعا أصدقاء يثيرون الصخب والضجيج، وبعد فترة قصيرة مات زوجي، ثم مات أبي، ووجدت نفسي وحيدة إلا أن عمي لم يتركني، بل كان دائم السؤال يزورني كثيرا ويشتري ما يستطيع حمله.
وكثيرا ما اجتمعت العائلة ولكننا لم نعد نرى ليلى بسبب انشغالها بحياتها الجديدة وتكرار سفرها مع زوجها بحكم عمله.
***
في إحدى ليالي رمضان اجتمعنا ببيت عمي لتناول وليمة فاخرة، ثم جلس جميع أفراد العائلة حول التلفاز لتناول الشاي والحلوى، وكانت ليلى ضمن الحضور، وراقبتها وهى تجلس، فجلست بجوار زوجها وأسندت رأسها إلى كتفه.
نظرت إلى مكانها بجوار أبيها، ويا للحظ السعيد لقد كان خاويا! فأسرعت الخطى تجاهه والتصقت به، فاحتضنني كما كان يفعل معها، وشعرت بداخلي بالانتصار، وارتسمت على وجهي علامات السعادة، فقد فزت في النهاية بحضن عمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى